ليلى الشافعي
بعد أيام، تظللنا ذكرى الإسراء والمعراج برسول رب العالمين وخاتم الأنبياء والمرسلين سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، حيث ان تلك الذكرى منهج ودستور وحياة يستنير بها المسلمون في انحاء العالم بما فيها من دروس وعبر ومواقف.
وبهذه المناسبة، حدثنا الشيخ د.خالد الخراز حول المفهوم الشامل لهذه الرحلة والعبر والدروس المستفادة منها.. في هذا الحوار:
كيف نستثمر الدروس والعبر من معجزة الإسراء والمعراج؟
٭ كانت رحلة الإسراء والمعراج رحمة من الله تعالى بعبده وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم، حيث شاهد من آيات الله عزّ وجلّ الكبرى ما شاهد، وعاين من أمارات العناية الإلهية، فكانت معجزة نبوية بالجسد والروح معا أيدتها نصوص القرآن، تذكرنا بالدروس والعبر التي يجب ان نستثمرها ونحن نواجه الأزمات والصعاب في كل مجالات الحياة وما احوجنا الى هذه الدروس.
كيف كانت رحلة الإسراء والمعراج معجزة لرسول الله صلى الله عليه وسلم؟
٭ بعد الشدائد المتلاحقة، كان من رحمة الله بعبده وحبيبه محمد صلى الله عليه وسلم ان يسري عن نفسه الجريحة وفؤاده المحزون، فكان الاسراء والمعراج، فقد شاهد من آيات ربه الكبرى ما شاهد وعاين من امارات العناية الإلهية به وبدعوته ما زاده يقينا الى يقين بإنجاح دعوته وتبليغ رسالة ربه ونصره على اعدائه واطلعه الله سبحانه من ملكوته العظيم على ما اطلعه عليه، مما ملأ نفس الرسول صلى الله عليه وسلم وقلبه نورا وطمأنينة، وصدره انشراحا، وأسري برسول الله صلى الله عليه وسلم قبل خروجه الى المدينة بسنة في يقظته في ليلة واحدة، بجسده وروحه على الصحيح من قول الصحابة وجمهور العلماء من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى، والمعراج الى السموات، قال تعالى (سبحان الذي أسرى بعبده ليلا من المسجد الحرام الى المسجد الاقصى الذي باركنا حوله لنريه من آياتنا انه هو السميع البصير).
وما الدرس الذي نتعلمه في صلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء إماما؟
٭ فيه درس من حيث الأفضلية، وأنها ليست بالسبق الزمني وإنما بما فضل الله سبحانه وتعالى (تلك الرسل فضلنا بعضهم على بعض)، وفيه درس مهم هو ان نعطي لأهل الفضل مكانتهم، وأن ننزل الناس منازلهم وهو درس في الامامة وشروطها، وهي للأفضل مع وجود الفاضل، حيث تقدم النبي صلى الله عليه وسلم على آدم وهو أبو البشر، وعلى إبراهيم الخليل أبو الأنبياء عليهم الصلاة والسلام، فصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالأنبياء جميعهم في المسجد الأقصى مشكاة واحدة.
هل رأى محمد صلى الله عليه وسلم ربه؟
٭ اختلف الصحابة العلماء: هل رأى ربه عزّ وجلّ ام لا؟ على قولين فصح عن ابن عباس انه قال: رأى ربه، وجاء في رواية عنه: رآه بفؤاده وفي الصحيحين عن عائشة رضي الله عنها انها انكرت ذلك على قائله، وقالت هي وابن مسعود: إنما رأى جبريل، وروى مسلم عن ابي ذر انه قال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم: هل رأيت ربك؟ قال: نور أنى أراه؟ وفي رواية: رأيت نورا فهذا الحديث كاف في هذه المسألة.
فوائد وعبر
ما أهم الفوائد والعبر التي يجب أن يستفيد منها المسلمون من حادثة الإسراء والمعراج؟
٭ ان المسجد الاقصى مرتبط بالمسلمين ومن واجبهم الدفاع عنه وحكمة شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم كما يقول الحافظ ابن حجر ان الشق الأول لصدره صلى الله عليه وسلم كان في زمن الطفولة فنشأ على أكمل الأحوال من العصمة من الشيطان ثم وقع الشق الثاني لصدره صلى الله عليه وسلم عند البعث زيادة في اكرامه ليتلقى ما يوحى إليه بقلب قوي في اكمل الأحوال من التطهير ثم وقع شق الصدر عند إرادة العروج الى السماء ليتأهب للمناجاة ويحتمل ان تكون الحكمة من هذا الغسل لتقع المبالغة في الاسباغ بحصول المرة الثالثة، كما تقرر في شرعه صلى الله عليه وسلم، ويحتمل من شق صدره وأنه سيلتئم بغير معالجة يتضرر بها وجميع ما ورد من شق الصدر واستخراج القلب وغير ذلك من الامور الخارقة للعادة يجب التسليم له، فكان شق صدر النبي صلى الله عليه وسلم قبيل الرحلة ثم غسله بماء زمزم وملأه حكمة وإيمانا، تنبيها لعظمة المهمة التي سيقوم بها النبي صلى الله عليه وسلم.
واللقاء الذي سيتم بينه وبين الملأ الأعلى، وهذا يدعونا الى الاستعداد المناسب لكل أمر نسعى الى القيام به، ومن الفوائد أيضا أنه على المسلم أن يسمو بروحه إلى السماء فوق الأهواء والشبهات، وفيه أيضا الرد على شبهة المنكرين للإسراء والمعراج.
يستبعد المخالفون الاسراء والمعراج بالجسد وأن الصعود إلى السماوات العلا ثم الرجوع من حيث أتى الرسول صلى الله عليه وسلم في جزء من الليل مستحيل.. فماذا نرد عليهم.
٭ الإسـراء والمعراج أمران ممكنان عقلا أخبر بهما الصادق المصدوق في القرآن الكريم، وفي الأحاديث الصحيحة فوجب التصديق بوقوعهما، ومن ادعى استحالتهما فعليه البيان وهيهات ذلك وكونهما مستبعدين عادة لا ينهض دليلا ولا شبه دليل على الاستحالة، وهل المعجزات الا أمور خارقة للعادة كما قال العلماء، ولو أن كل امر لا يجري على سنن العادة مظنة للانكار لما ثبتت معجزة نبي من الأنبياء.
كما يقول المخالفون ان المعراج لم يذكر في القرآن الكريم كما ذكر الإسراء، وفي أن المعراج يترتب عليه الخرق في الأفلاك السماوية وذلك مستحيل.. فما ردكم؟
٭ المعراج لم يذكر في القرآن صراحة، فقد أشير إليه فيه، ولو سلمنا بعدم ثبوته بالقرآن فلا ينبغي أن يكون ذلك سببا للانكار، فما الاحاديث الا مبينة للقرآن وشارحة له ومتممة له وهي الأصل الثاني من أصول التشريع في الإسلام ومعرفة الحلال والحرام، والحق والباطل والهدى من الضلال، وإثبات الآيات والمعجزات ولو اننا قصرنا الدين ومسائله على القرآن الكريم فحسب لفرطنا في كثير من الاحكام والآداب والآيات والمعجزات الدالة على نبوة النبي صلى الله عليه وسلم.
هل لليلة الإسراء والمعراج أفضلية على بقية الليالي في العمل؟
٭ ليلة الإسراء والمعراج ليست لها أفضلية على سائر الليالي في العمل، فلا يشرع فيها مزيد عبادة من اعتمار او قيام أو صدقة، ولو كانت لتلك الليلة من فضيلة خاصة في العبادة لبينها النبي صلى الله عليه وسلم.
وأما ما يعتقده البعض من أنها في رجب فلم يثبت دليل صحيح يؤيد ذلك.
وما الدرس الذي نستفيد منه في العروج؟
٭ أن الرسول صلى الله عليه وسلم لم يستخدم في عروجه البراق ،بل أخذ وسيلة أخرى هي المعراج وفي هذا بيان أن الطريق التي تصلح لمهمة لا تصلح لمهمة أخرى.
ومن الدروس الأخرى أن المؤمن ثابت لا يزعزعه شيء، وان للسماء ابوابا حقيقية وحفظة موكلين بها، وفيه اثبات الاستئذان بأن يقول لمن يستأذن أنا فلان، ولا يقتصر على أنا لأنه ينافي مطلوب الاستفهام، وفيه جواز مدح الإنسان المأمون عليه الافتتان في وجهه، ومن العبر أيضا فضل على السير بالنهار لما وقع من الاسراء بالليل، وأيـــضا في قول موسى عليه السلام «قد عالجت الناس قبلك» دليل علــــى أن علم التجربة زائدة على العلوم ولا يقدر على تحصيله بكثرة العلوم ولا يكتسب الا بها، أعني التجربة، وفيه ان الجنة والنار قد خلــــقتا، وفيه بذل النصيحة لمــــن يحـــتاج إليها وإن لم يستشر الــناصح في ذلك.
وما أهم ما نستفيد منه من هذه الحادثة في وقتنا الحالي؟
٭ نتعلم من الإسراء والمعراج أن المحن تخرج المنح، وأن نصر الله قادم لا محالة، كما تذكر المعجزة بعالمية رسالة الإسلام ومكانة النبي صلى الله عليه وسلم وعلاقته بإخوانه من الأنبياء والمرسلين وأيضا بمكانة وفضل المسجد الأقصى.
والحوار الذي حدث بين الأنبياء والرسل في ليلة الإسراء والمعراج يؤكد على ضرورة نشر ثقافة الحوار البناء، وأن المعجزة تقدم لنا نموذجا لوحدة الأنبياء جميعا، فصلاة النبي صلى الله عليه وسلم بالانبياء جميعا هي وحدة لهم في دعوتهم، فالكل جاء بالتوحيد الخالص من عند الله عز وجل (وما أرسلنا من قبلك من رسول إلا نوحي إليه أنه لا إله إلا أنا فاعبدون)، وقد تجلت منزلة رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي اختصه الله سبحانه وتعالى بها، حيث كان الوحيد الذي كانت له هذه المعجزة، وهو الوحيد الذي تجاوز سدرة المنتهى وتشرف بلقاء ربه وحظي برؤيته، قال تعالى (ما كذب الفؤاد ما رأى) وهذا مقام كريم بوأه الله لخاتم النبيين الذي بعثه الله تعالى رحمة للعالمين فأنقذ به البشرية وأخرجها من الظلمات الى النور، فهلا نجعل من رحلة الإسراء والمعراج منهاجا ربانيا متكاملا لحياة أفضل وأكمل؟