بيروت - جويل رياشي
يشكل اليوم العالمي للغة الأم الذي يحتفل به في 21 فبراير مناسبة سنوية يستعيد خلالها الكتاب وعلماء اللغة والتربويون هموم اللغة العربية التي تتراجع سنة بعد سنة، على مستويات عدة، مدرسيا وعلميا وإعلاميا وتربويا. ويعود السؤال عينه سنويا وبالحسرة ذاتها: لماذا لا تقبل الأجيال العربية الجديدة بنهم على إتقان لغتها الأم؟
في هذا الإطار، تعمل جمعية «بالعربية» اللبنانية جاهدة لرفع مستوى اللغة العربية وتعزيزها. وجديدها إعلان رابحين في جائزة الغاية منها، بحسب رئيستها د.سارة ضاهر، «إعادة إحياء رغبة الشباب والصبايا في تنمية مواهبهم في الإلقاء (الشعر مثلا) والكتابة نثرا. وبذلك نحافظ على حضور اللغة العربية بين الأجيال الجديدة».
وقد أقيم احتفال في المكتبة الوطنية أعلنت خلاله نتائج الجائزة بفئاتها الـ 4. وقد فازت عن فئة القصيدة: أحلام زلزلة، وعن فئة القصة: رنا علم، وعن فئة الإلقاء: أحمد ياسين، وعن فئة الفيلم القصير: كميل ريس.
وفي حديث لـ «الأنباء»، تناولت ضاهر أحوال اللغة العربية في لبنان والعالم العربي قائلة: «لا يوجد بلد عربي واحد يتحدث اللغة الفصحى. وبالتالي فإن وضع اللغة العربية الفصحى سيئ، إذ يقتصر تعلمها على الكتب، وهي تغيب عن تفاصيل حياتنا ويومياتنا وأعمالنا. وهذا يؤدي تاليا الى كثرة الأخطاء من الناطقين بهذه اللغة من ديبلوماسيين وإعلاميين وموظفين في الإدارات العامة، بسبب ابتعادهم عن هذه اللغة وعدم ممارسة قواعدها في شكل يومي، ما يغيب صفة التمكن منها. هذه حالة معممة في الدول العربية كلها، ويمكن تبيان ذلك بسهولة من الأخطاء الشائعة عبر مواقع التواصل الاجتماعي او في نشرات الأخبار في الدول العربية كافة».
أما عن شبه القطيعة بين الجيل الجديد واللغة العربية، فتقر بها ضاهر وتقترح «جذب الجيل الجديد الى اللغة العربية الفصحى عبر تنمية مواهبهم واستخدام عناصر تحفيزية لشدهم إليها. نركز في الجمعية على تطوير اللغة لتتماشى مع العصر، انطلاقا من ان الحياة تفرض ما تريد في أيامنا هذه، وبالتالي لن يتكلم أحد بالفصحى إذا كانت الأخيرة مرفوضة. لذلك نعمل على تطويع اللغة لتتناسب مع اهتمامات الجيل الجديد وموهبته، فنكسب الجيل واللغة معا. وقد ثبت فشل عملية فرض الفصحى عنوة، فباتت حكرا على المؤتمرات والمجالس الخاصة والقضايا الخاصة. وأستطيع القول ان الشعب هرب من الفصحى لعدم مبادرة المسؤولين الى تحسينها ومراعاة تطور الحياة وتغير الأحوال».
وأملت ضاهر ان يكون للثقافة الحيز الكبير في النهوض بلبنان الغارق في هموم اقتصادية ومعيشية. وقالت: «نعمل على قاعدة بناء الإنسان ليبني العالم. ونؤمن بأنه من خلال العلم والثقافة، نستطيع بناء الأوطان. يدرك الإنسان من خلال معرفة حقوقه وواجباته أهمية الوطن والحفاظ عليه. الثقافة تمكن الإنسان من السيطرة على واقعه الاقتصادي من خلال معرفة المطلوب من الفرد للخروج من مأزقه. الثقافة تعطي راحة نفسية وتمكن صاحبها من التعبير عن ذاته عبر الكتابة والموسيقى والمسرح وغيرها».
وعن اختبار الكفاءة باللغة العربية الذي تعمل عليه الجمعية، أشارت ضاهر الى «مباركة من وزارة التربية اللبنانية، وقد أطلقنا الاختبار بالتعاون مع الإسكوا في مناسبة اليوم العالمي للغة العربية».
وتعمل الجمعية على مدار السنة بمخطط طويل الأمد، وصولا الى محو الأمية، ودعم التعليم وتنمية قدرات المرأة وإقامة دورات تدريب في اللغة العربية، ودعم أصحاب الهمم (ذوي الاحتياجات الخاصة).
أما الدورات الخاصة باللغة فلحظت تقسيم المشاركين الى 6 مستويات: المستوى الأول تحضيري، والمستوى الثاني خاص بالمبتدئين، والمستوى الثالث لفئة ما قبل المتوسط، والمستوى الرابع لفئة المتوسط، والمستوى الخامس لفئة فوق المتوسط، والمستوى السادس لفئة المتقدم اي المحترف.
أما المشروع الكبير فهو «اختبار الكفاءة باللغة العربية»، لتقييم مواهب الأفراد ومستوياتهم في لغة الضاد: لا يقتصر على اللبنانيين، بل يتعداهم الى الراغبين من العرب وخصوصا من طلاب الجامعات، والطامحين الى وظائف إدارية على اختلاف أنواعها والإعلاميين وموظفي المؤسسات الحكومية.
وقالت ضاهر: أعدت الاختبار لجنة من الأكاديميين اللبنانيين، ويتضمن أسئلة في فهم المقروء انطلاقا من التعبيرين الشفهي والكتابي. وقسم الاختبار الى 4 محاور كالآتي: القراءة، الكتابة، المحادثة باللغة العربية الفصحى والاستماع.
والجمعية مخولة منح المشاركين في الاختبار، إفادة المشاركة والكفاءة باللغة العربية، بناء على قرار صادر عن وزير التربية والتعليم العالي حمل الرقم 810 صادر في 17 يوليو 2018، علما ان الجمعية تأسست في 2017 وتتخذ من منطقة سد البوشرية في محافظة جبل لبنان (المدخل الشمالي لبيروت) مقرا لها.
وحددت رئيسة الجمعية سارة ضاهر الفئات المستهدفة بالاختبار من قطاع عام كالوزارات والمؤسسات العامة، والقطاع الخاص من شركات ومؤسسات فردية، والجهاز التربوي التعليمي بفروعه الجامعي والمدرسي والمهني، من اللبنانيين والعرب والعاملين في البعثات الديبلوماسية والمنظمات العاملة في لبنان والأفراد الراغبين.