- حياة المؤمن تمضي بين أمرين بين يسر وعسر.. وبين ابتلاء بخير وابتلاء بشر
- الدنيا مزرعة كسب وعمل والمؤمن الفطن من يجمع الأجر ويدعو إلى الخير
- سمعنـا «ألا صلُّـوا في بيوتكم» فظننت أني أسمعها غير أني أقرأها من الكتب
- لابد أن نتعاهد كتاب الله لأنه وسيلتنا في هذه الدنيا و معيلنا إذا اشتدت علينا النوائب
- كلمة «صبر» في القرآن جاءت مائة وثلاث مرات.. وجاءت في واحد وأربعين موضعاً بصيغة الاسم
- إذا نازعتنا الدنيا وتقول لن أسامح فتذكر قوله تعالى: (فمن عفا وأصلح فأجره على الله)
- أصلح الذي بينك وبين خصيمك.. أصلح مع عدوك وادع له بالخير.. فالله وعدك بأجر عظيم
في محاضرة بعنوان «وقفات مع آيات البشارات بعد الكربات»، ألقيت في مسجد فاطمة الجسار بمنطقة الشهداء، تحدثت فيها الداعية عن محطات مهمة في حياة الإنسان وعبر وعظات مما حدث في أزمة «كورونا». بدأتها بالحمد والشكر لله تعالى الذي قدّر المقادير على خلقه وانضوى الكل تحت أمره ومشيئته.
وقالت: المؤمن بين أمرين، بين يسر وعسر، وبين ابتلاء بخير وابتلاء بشر، الله عز وجل أخبرنا في كتاب، (ونبلوكم بالخير والشر فتنة)، فالله سبحانه وتعالى أخبر المؤمن أن هذه الدنيا ليست بحياة هنيئة له ولكنها مزرعة كسب وعمل، فالمؤمن الفطن في كل أحواله يجمع الأجور ويحرص على ما تسامى من الأعمال ويستكمل صالحها في نفسه ويدعو إليها غيره، فيعم الخير نفسه ويعم مجتمعه وهذه حقيقة المؤمن نافع في كل حال كالغيث أينما وقع أصلح، سمعنا «ألا صلوا في بيوتكم» ليس ذلك فحسب، انقطعت الأحبال، يعني لله الحمد والمنة نحن في الكويت معتادون على الصلة، وكل بيت يفتح أبوابه إن لم يكن مرة فمرتان في الاسبوع لتلقي الأهل والأحباب، وإذا بنا نقطع ويأتينا وتتالى الأمور فيرحم الله من يشاء من عباده ان يرحمهم، وفقدنا الكثير من الأحبة نسأل الله سبحانه وتعالى لهم جنات النعيم، وأن يجمعنا بهم في أعلى عليين برحمتك يا أرحم الراحمين، ثم توالت الابتلاءات المالية على الناس فأصبح الناس في ضيق، الكثير خسر الأعمال وخسر الأشغال، في أمور لم يتصورها عقل ان تمر على دولة غنية مثل الكويت، ثم أصبنا بلزوم هذه الأدوية والتطعيمات والتي شكك فيها الكثير من الخلق فأصبح الناس كما نقول بين حان ومان، لا نعرف نتطعم أم لا نتطعم، من كثير ما لبسوا علينا الأمر، لكن يشهد الله ان - عن نفسي أتكلم - طاعة لولي الأمر، لما ولي الأمر يقول شيء علينا المبادرة الى طاعته ما فيها سؤال، لأن طاعة ولي الأمر طاعة لله عز وجل مأمورون نحن بها، فإذا أمر الشيخ بشيئ ما ثنينا عليه ما نثني عليه نبادر فيه، فأيضا ابتلي الناس في عافيتهم وصحتهم، وأصبح البيت الواحد يتنافس فيه الناس ويتعارك فيه الناس بين مؤيد وبين مخالف وبين افعل ولا تفعل وأصبحت الأمة لا حول ولا قوة إلا بالله في حالة، أصاب كثير من الناس اكتئاب وهذه حقيقة أصابتهم، إن سلموا من الأمراض الجسمانية لم يسلموا من الأمراض النفسية، وهذا واقع، الإنسان صعب عليه ان يفقد أحبته، حبيباتي ما تخيلنا أن يدفن الميت ولا يعزى فيه، أن يمرض المريض ولا يعاد في مرضه، أمور صعبة، فشق على الناس فأصبح الناس ايضا في مرض نفسي، أقر به من أقر وأعرض عنه من أعرض لكنه واقع، وهذه الأمراض النفسية ايضا الصدر يضيق والنفس يضيق وقد تنعكس آثارها على الجسد، فسبحان الله سنتان تنوع في البلاء، من بلاء في الأبدان من بلاء في الأحباب من بلاء في المال من بلاء في الأوطان من بلاء في الدين حتى ما عدنا نصلي في المساجد ولا نستطيع لا عمرة ولا زيارة لمسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا حج، وما أصعبها، توالت الابتلاءات على المؤمن لكن حقيقة نحن عندنا مثلا في الكويت يختصر كل الأمور، نقول: من «عرف ربه هانت مصيبته»، هؤلاء العارفون يعلمون ان أمر الله عز وجل ماض وجار ولا ينفع معه لا شكوى ولا تذمر يتلقاه الإنسان بالصبر، أختي الله يحفظها تقول الرضا، الرضا مطلوب لكنه مستحب، قال العلماء الرضا مستحب لكن الواجب هو الرضا.
إجماع الأمة
وروي عن الإمام أحمد قوله: «ذكر الله تعالى الصبر في القرآن في نحو من تسعين موضعا، وهو واجب بإجماع الأمة. حبيباتي نحط خطا تحت كلمة واجب بإجماع الأمة، الصبر ليس مسألة اختيارية عند أهل الإيمان هي فريضة دينية يتلقاها المؤمن كما يتلقى الأمر بالصلاة والصيام، فإذا جاء موضع الصبر يصبر المؤمن استجابة لأمر الله، (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا)، يقول: وهو واجب بإجماع الأمة، وهو نصف الإيمان، فإن الإيمان نصفان: نصف صبر، ونصف شكر». وحبيباتي من أسماء الله الحسنى انه سبحانه وتعالى الصبور، وفي ذلك يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا أحد أصبر على أذى يسمعه من الله». الله عز وجل مادة الصبر عنده لا تنفذ أعلى صفات الصبر يملكها الله، وأوسع وأعلى مراحل ومراتب الصبر هي لله عز وجل فإنه سبحانه وتعالى صبور يصبر على أذاك أيها الإنسان ويصبر على ذنبك حتى تعود وترجع ويحلم عنك، فالحلم مادة من مواد الصبر، لكن الصبر اولا ثم الحلم، الله سبحانه وتعالى حليم غفور اما الإنسان فالصبر عنده يتفاوت بقدر إيمانه، الصبر حبيباتي على مراتب، اعلاها الصبر على الطاعة، لأنها أشرف المراتب، وأعلى القربات وأول الأوامر التي أمر الله بها عز وجل، فالإنسان يصبر على طاعة الله كما قال عز وجل: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا على الخاشعين الذين يظنون أنهم ملاقوا ربهم وأنهم إليه راجعون)، المؤمن يعلم أنه سيلاقي ربه ويعلم أنه في هذه الدنيا مرتحل وأنها ليست دار قرار ولكنها ممر الى دار القرار، فما أصاب المؤمن في كل أمر فإنه يذكر نفسه في الآخرة ولا ينظر ولا يستقر نظره عند حاله في الفانية ولكن ينظر إلى ما وراء الدنيا.
يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «عجبا لأمر المؤمن، إن أمره كله خير» يقول صلى الله عليه وسلم: «وليس ذاك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر، فكان خير له، وإن أصابته ضراء، صبر فكان خيرا له» أخرجه مسلم في صحيحه برقم 2999. الحديث يرشدنا الى الاخاص في النية فالإنسان قد يصبر لأمرين، يصبر لأن ليس بيده حيلة وقد جرى الأمر عليه فهو غصب عنه أصابه، وهذا لا أجر فيه، أو يصبر لأنه ينوي رضا الله وطاعته بهذا الصبر، وكما تعلمون حبيباتي سادس أركان الإيمان هو الإيمان بالقدر، الإيمان بالقضاء والقدر خيره وشره.
بشائر عظيمة
الله سبحانه وتعالى أخفى ثلاثة امور لم يخبرنا عز وجل عن أجرها، منها الصبر، منها بداية نقول العفو، (فمن عفا وأصلح) الله أكبر حبيباتي نتذكر هذه الآية إذا نازعتنا الدنيا، ونقول لن أسامح، نتذكر هذه النية نتركها لله حبيباتي (فمن عفا وأصلح) ليس فقط عفوا لا، بالله أصلح الذي بيتنك وبين خصيمك، أصلح مع عدوك، ادع له بالخير، فإن الله سبحانه وتعالى قد وعدك بأجر لا يعلمه إلا الله فبالله أي عداوة تستاهل أن يفرط في هذا الأجر؟! لا يمكن لعاقل ان يفرط في ذلك، (فمن عفا وأصلح فأجره على الله).
ثلاث بشارات
في سورة العنكبوت كما مر بنا (أحسب الناس أن يتركوا أن يقولوا آمنا وهم لا يفتنون)، هذه ليست بسنة الله، الله سبحانه وتعالى جعل الابتلاء من سنن هذه الحياة، وقال في سورة البقرة عز وجل أعوذ بالله من الشيطان الرجيم بسم الله الرحمن الرحيم (ولنبلونكم بشيء من الخوف والجوع ونقص في الأموال والأنفس والثمرات وبشر الصابرين) فنحن لما نقرأ القرآن يجب أن نوطن أنفسنا لابد من المصاب في النفس إما بمرض وإما بفقد بالموت، والمال إما بنقصان أو بذهابه بالكلية، يقول الله عز وجل: (وبشر الصابرين) طيب بشر بماذا؟ نعم بالأجر والثواب، ما هو الأجر والثواب جاء في الآية التي بعدها، يقول المفسرون بُشر الصابرون بثلاث بشارات احداها خير من الدنيا وما فيها، الواحدة منها خير من الدنيا وما فيها.
يعني ماذا؟ استرجعوا قولوا ما نملك من الأمر شيئا، الأمر لله من قبل وبعد، وما عندنا ليس إلا عاريةو فلله ما أعطي ولله ما يأخذ، المؤمن يعرف هذا المبدأ ويسير به في حياته إنا لله وإنا إليه راجعون ليس له من أمره خيرة، يقول عز وجل: (الذين إذا أصابتهم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون)، استرجعوا عند حال وقوع المصيبة وهذه من أعظم الكلمات لأن الله سبحانه وتعالى قال الصابر الذي يسترجع: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة)، الصلاة من الله عز وجل والثناء في الملأ الأعلى، يطريك الله بالخير ويثني عليك، يقول أمتي فلانة اشهدوا أيها الملك أنها قد وقعت مني موقع الثناء والحمد على ما هي عليه، والشكر على ما هي عليه من الصبر والإيمان، تذكر في الملأ الأعلى، والصلاة من الملائكة دعاء بالمغفرة والاستغفار لهذا المؤمن، ويقول الرسول صلى الله عليه وسلم عن المؤمن حينما يقبض صفيه وخليله يقول الله تعالى لملائكته عند المصاب عندما يقبض صفي الإنسان عندما يصاب الإنسان بحبيبه في هذه الدنيا، فيقول الله تعالى لملائكته: ماذا قال عبدي؟ ـ وهو أعلم سبحانه ـ فيقولون: حمدك واسترجع، كلمة عظيمة، واسترجع يعني قال إنا لله وإنا إليه راجعون، حمد الله قال الحمد لله فصبر نفسه وصبر، قال الحمد لله، واسترجع قال إنا لله وإنا إليه راجعون الأمر لله من قبل وبعد، فيقولون حمد واسترجع، فيقول الله تبارك وتعالى: ابنوا لعبدي بيتا في الجنة وسموه بيت الحمد، غاية عظيمة وبشارة كريمة من الله عز وجل لمن يصبر ويسترجع، بيت الحمد وصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في ربض الجنة في حديث آخر، ربض الجنة اوسطها وأعلاها، فالانسان يوطن نفسه على الصبر ويتذكر البشارات في كل كربة وبلاء، تذكر بشارات الله لك، والله عز وجل يقول: (أولئك عليهم صلوات من ربهم ورحمة) حبيباتي تتنزل عليهم الرحمة في الدنيا والآخرة.
قال المفسرون بشر اهل الصبر في هذا الموضع بثلاث بشارات إحداها تكفي الدنيا وما فيها، يتذكر الإنسان أجر الصبر فيصبر، يتذكر البشارات التي يلاقيها من رب العزة عند مواجهة الكربات فيصمد ويتذكر ما عند الله خير وأبقى ويعلم انه مأجور في هذا الصبر.
جزاء أهل الصبر
التمكين والنصر لمن صبر، هو والنصر أخوان شقيقان فالنصر مع الصبر والفرج مع الكرب والعسر مع اليسر، وهو أنصر لصاحبه من الرجال بلا عدة ولا عدد، يقول وقد ضمن الله عز وجل الصادق سبحانه في محكم الكتاب انه يوفيهم أجرهم بغير حساب، طيب حبيباتي تعرفون ما يحصل لأهل العافية يوم القيامة؟ نسأل العافية ثم نسأل الله العافية نحن لا نتمنى البلاء، ولكن لما يرى أهل العافية في القيامة أجور اهل البلاء، يود اهل العافية كما اخبر الرسول صلى الله عليه وسلم حين يعطي أهل البلاء الثواب لو ان جلودهم كانت قرضت بالمقاريض في الدنيا، لما يرونه من أجر هؤلاء الذين صبروا على الابتلاء في الدنيا، فأجرهم عظيم، لدرجة ان اهل العافية يقولون ليتنا قرضنا بالمقاريض من كثر ما يرون فضل هؤلاء، فالصبر له أجر عظيم، الإنسان يجب ان يتذكرها، فإذا تذكرها سكنت نفسه وهدأت مصيبته وهانت عليه الدنيا وما فيها، ورغب فيما عند الله فصبر على ما يجاهد من طاعات وما يكابد من شهوات.
القرآن معيلنا إذا عزت علينا الأمور واشتدت علينا النوائب
مادة (صبر) وردت في القرآن في مائة وثلاثة مواضع، (103) مرات جاءت كلمة صبر في القرآن، نحن قلنا حبيباتي تذكرون عندما قلنا لنحيا بالقرآن وعنوان درسنا هو «لنحيا بالقرآن» لابد أن نتعاهد كتاب الله ونعرف ما فيه لأنه هو وسيلتنا في الحياة في هذه الدنيا وهو معيلنا إذا عزت علينا الأمور واشتدت علينا النوائب، مادة (صبر) في القرآن جاءت مائة وثلاث مرات، قال العلماء، جاء في واحد وأربعين موضعا بصيغة الاسم، الاسم هو (الصبر) يقول: من ذلك قوله عز وجل: (واستعينوا بالصبر والصلاة وإنها لكبيرة إلا علي الخاشعين) البقرة: 45، وجاءت في اثنين وستين موضعا بصيغة الفعل، من ذلك قوله سبحانه: (يا أيها الذين آمنوا اصبروا وصابروا ورابطوا واتقوا لله لعلكم تفلحون) آل عمران: 200، أمر من الله عز وجل، تكرر الأمر بالصبر في القرآن لأهل الإيمان في اثنين وستين موضعا، وأكثر ما جاءت مادة (صبر) بصيغة الفعل الماضي المفرد، حيث تكررت تسع عشرة مرة، كقوله لنبيه صلى الله عليه وسلم: (واصبر على ما أصابك) لقمان: 17، وقوله عز وجل: (واصبر وما صبرك إلا بالله)، وتكررت بصيغة جمع المذكر السالم ثماني عشرة مرة، منها قوله سبحانه: (إن الله مع الصابرين) البقرة: 53، وتكررت بصيغة المبالغة أربع مرات، منها قوله عز وجل: (إن في ذلك لآيات لكل صبار شكور) إبراهيم:5، وختمت بها اربع آيات: ابراهيم:5، لقمان:31، سبأ:19، الشورى:33.