قال تقرير بنك الكويت الوطني إن تبعات الحرب الروسية - الأوكرانية منذ أواخر فبراير الماضي والصراع العسكري المحتدم تجاوز تحديات جائحة كوفيد-19 كمصدر رئيسي للمخاوف الاقتصادية وإضرابات الأسواق، وهو ما أدى إلى التأثير سلبا على آمال انتعاش الاقتصاد العالمي بوتيرة سلسة هذا العام. وإلى جانب الخسائر البشرية، تسببت الحرب في اضطراب التدفقات التجارية والأسواق المالية. كما تم فرض عقوبات اقتصادية واسعة النطاق ضد روسيا، مما أدى إلى ارتفاع أسعار السلع الأساسية، وهو الأمر الذي سوف يمتد ليشمل دولا خارج أوروبا، بما في ذلك الدول الأشد فقرا، والتي تواجه الآن ارتفاعا في تكاليف المواد الغذائية والطاقة. وحذر صندوق النقد الدولي من أن التأثير على الاقتصاد العالمي سيكون «كبيرا». ويعد مصدرو السلع الأساسية إحدى الجهات الاقتصادية «الرابحة» على المدى القريب بما في ذلك دول مجلس التعاون الخليجي، إذ ارتفعت أسعار مزيج خام برنت لتبلغ أعلى مستوياتها المسجلة في 14 عاما وصولا إلى 128 دولارا للبرميل في أوائل مارس قبل بدء العمليات البيعية، إلا أنها ظلت مستقرة في منتصف الشهر عند مستويات أعلى بكثير من تلك المسجلة في وقت سابق فوق 100 دولار للبرميل. كما أدى الارتفاع الحاد في الأسعار إلى تعقيد الأمور أمام البنوك المركزية الرئيسية، التي يبدو أنها مستعدة الآن لتشديد السياسة النقدية للسيطرة على التضخم بالرغم من مخاوف ضعف وتيرة النمو في مواجهة صدمة الإمدادات العالمية الكبرى الجديدة.
وذكر تقرير «الوطني» أنه من الواضح أن الولايات المتحدة لن تفلت من تداعيات الحرب بين روسيا وأوكرانيا على الرغم من التوقعات بأن يكون التأثير أقل بكثير مما هو عليه في أوروبا نظرا لانخفاض اعتمادها على الطاقة (استوردت الولايات المتحدة من روسيا 8% من النفط الخام والمنتجات المكررة في عام 2021)، هذا إلى جانب انخفاض التبادل التجاري والبعد الجغرافي. إلا أن ارتفاع معدل التضخم إلى جانب التداعيات الاقتصادية العالمية ستؤديان إلى نمو اقتصادي أضعف في الولايات المتحدة، على الرغم من أن الركود لا يعتبر في صدارة توقعات الحالة الأساسية في هذه المرحلة. وتشير التقديرات الحالية إلى نمو يتراوح بين 2.5% و3% هذا العام (مقابل +5.7% في عام 2021)، ومن المرجح أن يكون النمو خلال الربع الأول من عام 2022 أضعف أداء عند مستوى أقل من 2%، على أساس ربع سنوي. إلا أن استمرار تدهور أوضاع الاقتصاد العالمي على خلفية الحرب المستمرة قد يؤدي إلى تصاعد الضغوط على النمو مما يزيد من إمكانية الركود، لاسيما في سياق قيام مجلس الاحتياطي الفيدرالي بتشديد السياسة النقدية.
وفي حين أن ارتفاع معدل التضخم وضعف ثقة المستهلك (وصول مؤشر ثقة المستهلك الصادر عن جامعة ميشيغان إلى أدنى مستوياته المسجلة منذ عام 2011) يعتبران من العوامل المعاكسة للنمو، إلا أن تحسن أوضاع جائحة كوفيد-19 يعد من أبرز العوامل التي تدعم النمو. وواصل سوق العمل انتعاشه القوي بتسجيله مكاسب قوية على صعيد الوظائف مما أدى إلى انخفاض معدل البطالة إلى 3.8% في فبراير ووصول معدل المشاركة في القوى العمالة إلى 62.3%، وكلاهما يعتبر في أفضل حالاته منذ بداية الجائحة.
وارتفع معدل تضخم أسعار المستهلكين إلى 7.9% على أساس سنوي في فبراير (معدل التضخم الأساسي عند مستوى +6.4%)، فيما يعد أعلى مستوياته المسجلة منذ يناير 1982 ومن المقرر أن يتحرك بوتيرة أسرع نظرا لارتفاع أسعار السلع والمواد الغذائية على مستوى العالم، وفي هذا السياق، بدأ مجلس الاحتياطي الفيدرالي دورة رفع أسعار الفائدة بزيادة قدرها 0.25% في اجتماعه المنعقد في 16 مارس والذي كشف خلاله عن الرسم البياني لتصويت الاحتياطي الفيدرالي على أسعار الفائدة، مشيرا إلى 6 ارتفاعات إضافية هذا العام، فيما يعكس سوق العقود الآجلة حاليا 7 ارتفاعات أخرى قبل نهاية العام. وقد يبدأ الفيدرالي أيضا في اتباع إجراءات التشديد الكمي في مايو على أقرب تقدير.
كما يرى الفيدرالي الآن وصول معدل تضخم نفقات الاستهلاك الشخصي إلى مستوى 4.3% في عام 2022 (كانت أحدث قراءة عند مستوى 6.1%) و2.7% في عام 2023 مقابل 2.6% و2.3% على التوالي وفقا لتوقعاتهم السابقة. وأكد جيروم باول، رئيس مجلس الاحتياطي الفيدرالي، على قوة الاقتصاد الأميركي، وقدرته على التعامل مع ارتفاع أسعار الفائدة، ويرى أن احتمالات حدوث ركود في الولايات المتحدة ليست مرتفعة.
من جهة أخرى، وقع الرئيس بايدن على أمر تنفيذي يحظر واردات ومنتجات النفط الروسية، ضمن تدابير أخرى. واستوردت الولايات المتحدة من روسيا نحو 700 ألف برميل يوميا من النفط والمنتجات المكررة في عام 2021، ويطرح الحظر التحدي المتمثل في إيجاد طرق إمداد بديلة. وأخيرا، أقر الكونغرس ميزانية بقيمة 1.5 تريليون دولار للفترة المتبقية من السنة المالية الحالية (حتى نهاية سبتمبر) حاز الإنفاق الدفاعي نصفها تقريبا، كما تضمنت الميزانية 14 مليار دولار مساعدات لأوكرانيا.
الحرب الأوكرانية تهدد الانتعاش الاقتصادي في أوروبا
أدت الحرب الروسية - الأوكرانية إلى قلب ما كان مقررا أن يكون مناخا اقتصاديا أفضل لعام 2022 في أوروبا مدعوما بتلاشي ضغوط الجائحة. وعلى الرغم من أن الصورة الكاملة للتداعيات الاقتصادية ستعتمد على ما ستسفر عنه الحرب، فإن عددا من العوامل التي تتضمن الاضطرابات التجارية، وتعطل إمدادات الطاقة، وارتفاع أسعار السلع الأساسية، وضعف الثقة في الأعمال التجارية، وتدفقات اللاجئين ستؤدي حتما إلى ضعف النمو الاقتصادي في كافة أنحاء منطقة اليورو مع إمكانية الوقوع في براثن الركود. وعلى الرغم من أنه من السابق لأوانه معرفة التأثيرات المنعكسة على معظم المؤشرات الرئيسية، إلا أن الأسهم الأوروبية تعرضت في البداية لضربة أشد من الأسواق الرئيسية الأخرى، إذ انخفضت بنسبة 12% خلال الأيام التي تلت الغزو بسبب التأثير الاقتصادي المتوقع، إلا أنها تعافت منذ ذاك الوقت. ومن الممكن أن يقترب نمو اقتصاد منطقة اليورو على أساس ربع سنوي الآن من الصفر خلال الفترة المتبقية من هذا العام، مقابل المتوسط المتوقع سابقا بنسبة 0.8% خلال الأرباع المتبقية من العام.