مفرح الشمري
اختتمت أمس أعمال ندوة «عبدالعزيز حسين رجل فكر ودولة» التي نظمها الملتقى الكويتي على مدى يومين والتي احتضنتها قاعة السينما بمركز جابر الأحمد الثقافي وسط حضور قامات فكرية وثقافية ووسائل إعلام متعددة.
انطلقت أعمال اليوم الثاني للندوة بجلسة صباحية أدارتها د.حصة الملا والتي تضمنت شهادة عائلية من خلال نجله وزير النفط الأسبق م.هاني عبدالعزيز حسين الذي أعطى للحضور نظرة على حياة عبدالعزيز حسين العائلية والشخصية، وكيف كان يحب الأطفال ولا ينزعج منهم ويهتم بالمرأة والأسرة.
وبعدها، قدم رئيس الصندوق العربي لحقوق الإنسان د.غانم النجار بحثا بعنوان «عبدالعزيز حسين.. السياسي الممتنع»، تحدث فيه عن مسيرة 17 عاما بالعمل السياسي خاض خلالها حسين معارك سياسية كثيرة، وسعت الورقة إلى البحث عن مصادر غير تقليدية مثل مضابط مجلس الأمة والأسئلة التي تم توجيهها له كوزير مسؤول عن العديد من المؤسسات الحكومية التي كانت تتطلب منه الرد والتجاوب.
وفي شهادته، أكد مؤسس الملتقى الكويتي الأديب طالب الرفاعي قائلا: دار في بالي أن اكتب رواية سيرة ذاتية عن عبدالعزيز حسين، ولكن الرواية تتطلب الغوص في أعماق بطلها، غير أن حياة عبدالعزيز حسين الخاصة والعاطفية ليست متوافرة، ولذلك قمت بتأليف كتاب يحمل عنوان الندوة وموجود لدى مركز البحوث والدراسات الكويتية.
وبعد استراحة قصيرة، بدأت الجلسة الثانية والأخيرة، وأدارت الجلسة د.فاطمة السالم، وتحدث فيها أولا د.حامد الحمود في ورقة بحثية بعنوان «الأستاذ عبدالعزيز حسين وجذور الوعي الديموقراطي في الكويت». وقال فيها:«إن تعلم عبدالعزيز حسين الذي لاقح بين الثقافة الأزهرية الإسلامية المحافظة، والدراسة في جامعة لندن قد أهله لأن يقدم هذا الكتاب لمسيرة علمية وسياسية وثقافية، كما أن الصورة المنشورة له ولرفقائه أعضاء أول بعثة طلابية كويتية ترحل إلى القاهرة للدراسة بالأزهر عام 1939 أي قبل 6 سنوات من تصدير أول شحنة نفط تعكس وعيا اجتماعيا مبكرا في الكويت في الثلاثينيات من القرن الماضي يبين الجذور العميقة للوعي الديموقراطي في الكويت».
واختتمت الجلسة ببحث الكاتب خالد العبدالمغني وعنوانه «عبدالعـزيـــز حسيـن والفن التشكيلي.. من البعثة إلى المعارف» وتناول خلالها كل محطة من حياة عبدالعزيز حسين تشهد أنه تولى مسؤوليات فنية أسهمت في دعم الحركة الفنية التشكيلية فضلا عن دوره المفصلي في تشجيع المواهب واحتضانها ورعايتها، مؤكدا أن هذه الورقة محاولة لرصد مواقع رعايته للمواهب وأثره الظاهر والخفي في دعم مسيرة الفن التشكيلي في الكويت على مدى 40 عاما من حياته العملية.
دور عبدالعزيز حسين في «الخطة الشاملة للثقافة العربية»
قال الباحث الاعلامي القدير حمزة عليان في الجلسة الختامية لندوة عبدالعزيز حسين: اذا أردنا الحديث عن دور عبدالعزيز حسين ومساهمته في «الخطة الشاملة للثقافة العربية» علينا النظر وبإمعان إلى الخلفية التاريخية التي أهلته لتلك المهمة وذلك من خلال ركيزتين أساسيتين تشكلان المدخل المناسب للوقوف على ما آلى إليه هذا الدور وما حققه من نتائج وآثار ثقافية في الدائرة العربية الكبرى التي عمل فيها.
وأضاف: في المعنى المباشر للمحور الذي نتحدث عنه والمعنون بـ «الخطة الشاملة للثقافة العربية» هناك وجهان بارزان ومترابطان هما: الوجه الثقافي والوجه العروبي وهو ما يستلزم فتح صفحات نضيء فيها على هذين البعدين في شخصية عبدالعزيز حسين ثم الولوج باستعراض وشرح وتحليل الخطة.
في الأربعينيات من العقد الذي استمدت فيه الثقافة في الكويت زخمها الأكبر واتسعت حركة الاتصال الثقافي مع الخارج وبدأ الأدباء والشعراء يتأثرون جليا بما يكتب في مصر والشام والعراق، وفي تلك الفترة بدأت إدارة المعارف في إرسال الطلاب للدراسة في الجامعات والمعاهد العليا في مصر، والبعثة الأولى عام 1939 ضمت عبدالعزيز حسين ويوسف مشاري البدر ويوسف عبدالله العمر وأحمد مشاري العدواني، ثم توالت البعثات مما استوجب إنشاء مركز أو بيت ثقافي للطلبة الكويتيين فيها، أسندت إليه مهمة إدارة هذا البيت عام 1946 وفيه أنشئت أول رابطة لطلبة الكويت هناك.
وتابع: كانت الثقافة العنوان الجامع لهم، ومن هنا انطلقت مجلة «البعثة» برئاسة عبدالعزيز حسين، وكانت بمنزلة الوعاء المعرفي للطلبة وصدى لنشر أعمالهم وأفكارهم وآرائهم وما لبثت أن تحولت إلى عنوان أدبي وثقافي واسع.
وأشار الى ان الملمح التنويري في شخصية عبدالعزيز حسين تشكل عنده منذ مطلع شبابه، حيث كانت البيئة الثقافية التي خرج منها الأثر الكبير في رسم طريقه وتحديد اتجاهاته، فقد نشأ في بيت علم وثقافة لاسيما مكتبة والده. وقال: كانت رؤية الراحل عبدالعزيز حسين في التفاعل مع محيطه العربي من خلال دعوة النخبة من المفكرين والمبدعين العرب إلى الكويت وخلق أجواء من التوادد الفكري والثقافي، كفيلة بمد تلك الجسور والروابط بين أبناء الكويت ومحيطهم العربي وقد نجح في ذلك، وكانت علاقة متصلة لم تنقطع أثمرت الاستعانة بأحمد زكي لتأسيس «مجلة العربي» وبزكي طليمات لإرساء بنيان المسرح وقسطنطين زريق إلى جانب آخرين لوضع دراسة لإنشاء جامعة الكويت والمجلس الوطني للثقافة والفنون.
في الخمسينيات أي فترة «العصر الناصري» في المنطقة العربية إذا صح التعبير كان عبدالعزيز حسين يطل بوجهه العروبي، وبمشاركته سواء بإنشاء الرابطة الأدبية، وتولى الأمانة العامة فيها سنة 1958 أو بعقد مؤتمر الأدباء العرب والذي احتضنته الكويت عام 1958 ولمدة عشرة أيام، وكانت عبارة عن أكبر تظاهرة عربية ثقافية تقودها الكويت.. وهي امتداد للمواسم الثقافية الزاخرة بهدف توثيق الصلات الأدبية بينها وبين أشقائها العرب.
كان الوجه العروبي لعبدالعزيز حسين يرافقه كظله طيلة السنوات التي عاشها منذ التحاقه بالدراسة في مصر وصولا إلى مرحلة اختياره رئيسا للخطة الشاملة للثقافة العربية في أوائل الثمانينيات من القرن الماضي.
لقد امتلك رؤية شاملة من أبناء جيله، فهو أحد أبناء طه حسين الثقافيين، على حد تعبير الدكتور سليمان العسكري الذي رافقه في العديد من المحطات، وكان عبدالعزيز حسين على اتصال بالحركة الوطنية في مصر أثناء فترة دراسته بها في الأربعينيات «تفتح وعيه على أفكار تلك المرحلة، رغم أن دراسته الأساسية كانت في الأزهر».
ربما كانت مجلة «العربي» أحد أوجه العروبة الفكرية والثقافية التي ساهم بإنتاجها عبدالعزيز حسين، فقد مثلت وبالحقيقة مجلة البيت العربي الكبير.
كذلك الحال بولادة المجلس الوطني للثقافة والفنون والآداب، باعتباره حدثا متوهجا بأبعاده الثقافية والعربية، فالكاتب الدكتور سليمان العسكري ينقل عن المرحوم الأمير الشيخ جابر الأحمد الصباح، وكان يقول إنني أعرف أن الشهر قد بدأ حين يدخل علي عبدالعزيز حسين بنسخة من «عالم المعرفة»، كما أن الكويت كانت ثالث دولة عربية بعد القاهرة وبيروت تقيم أول معرض للكتاب العربي على أراضيها عام 1974.