هذه لحظة خطيرة بالنسبة للعالم، ارتكب فلاديمير بوتين هجوما على المبادئ الداعمة للسلام والأمن العالمي بشن حربه الوحشية غير القانونية وغير المبررة في أوكرانيا.
وهذه ليست المرة الأولى بالطبع التي قرر فيها بوتين أن بإمكانه غزو دولة أخرى دون عقاب، فغزو موسكو لأوكرانيا جزء من نمط السلوك المدمر للكرملين، حيث غزت روسيا جورجيا عام 2008، واحتلت شبه جزيرة القرم وأجزاء من شرق أوكرانيا عام 2014، كما نشرت قواتها في مولدوفا لعقود دون موافقة حكومتها.
تثير حرب بوتين في أوكرانيا ذكريات مؤلمة بين الكويتيين الذين عاصروا الغزو الغاشم لصدام حسين لبلادهم عام 1990، وكذلك بين الأميركيين الذين شاركوا في عملية التحرير.
وأنكر الرئيس الروسي، مثل ما أنكر صدام، تاريخ دولة جارة واستقلالها لتبرير التوغل العسكري غير المبرر بهدف تقويض سيادة تلك الدولة والسيطرة عليها بالكامل، ومثلما وقفت الولايات المتحدة إلى جانب الكويت في ذلك الوقت، فإننا نقف اليوم بجانب الشعب الأوكراني لدعم سيادة بلادهم ووحدة أراضي أوكرانيا في مواجهة انتهاك الكرملين الصارخ للقانون الدولي.
لقد شن بوتين حملة إرهاب في أوكرانيا كما فعل في سورية من قبل، حيث دمرت الضربات الجوية بشكل عشوائي المستشفيات والبنية التحتية المدنية الحيوية، وقصفت القوات الروسية مستشفى للولادة والأطفال يوم 10 مارس، مما أسفر عن مقتل ثلاثة مدنيين بينهم طفل. وكما هو الحال في سورية، صعدت القوات الروسية هجماتها لتشمل القوافل الإنسانية والمدنيين، مع الاعتماد أيضا على حملات التضليل الإعلامية لإخفاء آثارها. ولكن يراقب العالم هذا الصراع عن كثب، وعندما ترتكب القوات الروسية هذه الفظائع، فإننا سنستخدم جميع الآليات الدولية لمحاسبة المسؤولين.
وذكرت المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين أن أكثر من ستة ملايين أوكراني قد نزحوا داخليا أو أجبروا على الفرار من أوكرانيا. وبصفتهم قادة في العمل الإنساني، يعرف الكويتيون جيدا الخسائر طويلة الأمد الناتجة عن التهجير طويل الأمد لملايين المدنيين كما هو الحال في سورية واليمن.
وفي الوقت الذي كانت الدول على وشك التعافي من الدمار الاقتصادي لفيروس كوفيد -19، أدت الحرب التي اختارها بوتين إلى ارتفاع التضخم واضطراب الأسواق العالمية، كما أثار غزو بوتين استنكار العشرات من كبرى الشركات الأميركية والعالمية التي أغلقت مكاتبها في روسيا.
سيكلف عدوان بوتين روسيا خسائر فادحة اقتصاديا واجتماعيا واستراتيجيا. لقد استهدف الكرملين عددا لا يحصى من الروس، بمن في ذلك النشطاء البارزون والصحافيون والفنانون والرياضيون والمواطنون العاديون بسبب مشاعرهم المناهضة للحرب، بمن في ذلك ما يقرب من 15000 اعتقلوا في مظاهرات سلمية. وتعد العقوبات المالية الكاسحة التي فرضها الرئيس بايدن إلى جانب الحظر الأميركي على واردات الطاقة الروسية أشد الإجراءات من نوعها ضد قوة اقتصادية كبرى، وقد أثبتت فعاليتها حيث أصبح سعر الروبل الروسي الواحد يعادل أقل من بنس أميركي (2 فلس كويتي).
ستكون الأيام والأسابيع والأشهر القليلة القادمة صعبة للغاية على شعب أوكرانيا، ولكن ستستمر الولايات المتحدة مع حلفائها وشركائها في جميع أنحاء العالم في دعم أوكرانيا وشعبها في الدفاع عن بلادهم.
إننا نقدر دور الكويت، أحد أقرب حلفائنا في المنطقة، لمشاركتها في رعاية قرار مجلس الأمن الدولي الذي أدان الغزو الروسي لأوكرانيا، وهي الدولة العربية الأولى في قائمة أكثر من 80 دولة أدانت هذه الحرب. ومؤخرا، وكبادرة كويتية كريمة، أصدر سمو أمير البلاد الشيخ نواف الأحمد الجابر الصباح توجيها بتقديم مليوني دولار لمساعدة اللاجئين الأوكرانيين.
وعند كتابة تاريخ هذه الحقبة، سيتجلى لنا أن اختيار بوتين لشن هجوم غير مبرر وغير عادل ومتعمد جعل الدول المحبة للسلام أكثر تكاتفا، وترك روسيا أكثر ضعفا وانعزالا.
إن الحرية والديموقراطية والكرامة الإنسانية قيم تفوق قوتها الخوف والقمع، فهناك عدد لا يحصى من المواطنين الروسيين ممن يعبرون عن احتجاجهم ومعارضتهم لحرب الكرملين. وعندما نشهد تنافسا بين الحريات والاستبداد، وبين السيادة والخضوع، ثقوا تماما بأن الحرية ستسود.