كيف استخدم الغرب ايران الثورية في إطار إستراتيجيتهم النفطية التي أطلقوها لمنع تكرار الحظر النفطي عليهم؟
سأسرد محطات تاريخية والحصيف الذي يحلل ويربط الحيثيات بالدوافع والمصالح الكامنة لدى دول المركز حينها، سيعي صحة ودقة ما نقول، أما المؤدلج فلن يدرك حتى يخلع نظارته الأيدلوجية وهو يقرأ.
1- قبل تأسيس أوپيك في عام 1960م كانت الشركات النفطية السبع الغربية تأخذ 75% تقريبا من أرباح الدول المنتجة للبترول، وتعطي 25% تقريبا للدول المنتجة.
2- في عام 1960م تأسست منظمة أوپيك كقوة نفطية دولية سحبت جزءا كبيرا من البساط من تحت شركات النفط السبع المعروفة بالـ (big 7).
3- دول أوپيك المؤسسون:
٭ السعودية ٭ إيران ٭ العراق ٭ الكويت ٭ فنزويلا
4- نجحت دول أوپيك بفرض نفوذها على السوق النفطية خلال فترة وجيزة، حتى تمكنت في عام 1967م من تنفيذ حظر نفطي مؤثر على الغرب بسبب الحرب ضد مصر، كما نجحت بفرض حظر نفطي آخر عام 1973م لإجبار إسرائيل على الانسحاب من أراضي 1967م.
5- بعد انتهاء حرب أكتوبر في 1973م، وانتهاء الحظر النفطي على الغرب، عمل الأميركان والفرنسيون بشكل خاص على تفكيك دول أوپيك المؤسسين للمنظمة حتى لا تجتمع نفس الدول الخمس بكل قدرتها النفطية في سياسة نفطية موحدة ضد المصالح الاستراتيجية والحيوية المباشرة لكل الدول الغربية المصنعة كما حصل.
6- وجد الغرب أن عدد اربع دول من أصل خمسة دول مؤسسة لمنظمة أوپيك هي أصلا دول متجاورة ومطلة على الخليج العربي، وهم:
(إيران – العراق – السعودية – الكويت).
7- كما وجدوا أن هناك اختلالات استراتيجية (جغرافية/ أمنية/دفاعية/ ديموغرافية) في الميزان الإقليمي بين الدول الأربع، ولكن لا قيمة لهذه الاختلالات لعدم وجود نزاع بين الدول الأربع يضمن تنشيطها.
8- ثم خلال ست سنوات منذ عام 1973م وحتى عام 1979م، تبنى الغرب مشروع الخميني السياسي باعتباره نظام الحكم البديل عن نظام الشاه، ويتبنى مشروعا سياسيا مهددا لكل دول الجوار المنتجة، والذي بدوره سيخلق الصدع الذي تطفو منه كل الاختلالات الاستراتيجية بين دول أوپيك الأربع المطلة على الخليج.
9- وهذا حرفيا ما يفسر قدوم الخميني من فرنسا وعلى طائرة فرنسية إلى إيران بعد سقوط الشاه لإعلانه نجاح الثورة الاسلامية وتسيده النظام السياسي الثيروقراطي البديل في إيران للبدء بتنفيذ مشروعه السياسي المهدد لدول الجوار والمتسبب بتنشيط تأثير الاختلالات الاستراتيجية بين الدول الاربع.
10- شجعت الدول الغربية حينها صدام حسين على غزو إيران لتحجيم اتساع الثورة الإيرانية والتي كان من المتوقع أن يتغلغل تأثيرها في أوساط العراق بشكل يهدد نظام الحكم فيه، ثم قد تمتد لدول الخليج العربي خلال فترة قد لا تكون طويلة لولا اندلاع الحرب العراقية/ الإيرانية حينها.
11- وبذلك تكون أكبر دولتين منتجتين في أوپيك بعد السعودية قد دخلتا في حرب عسكرية مباشرة، وهو ما يعني أول تفكيك لوحدة منظمة أوپيك النفطية.
12- أبرزت الحرب العراقية/ الإيرانية بعض الاختلالات الاستراتيجية بين الدول الاربع المتجاورة، ولكنها لم تكن كافية بالنسبة للغرب، لأن المقصد النهائي لهم هو العبور من خلال التصدعات الاستراتيجية في المنطقة لوضع قواتهم على منابع النفط باسم حماية الدول الصغيرة من تهديد الدول التوسعية الكبيرة.
13- وهذا ما يفسر تصريح مستشار الأمن القومي الأميركي «بريجنسكي» عام 1980م عندما قال: ليست مشكلتنا حرب الخليج الأولى، وإنما مشكلتنا هي كيف ننشط حرب خليجية ثانية تندلع على هامش حرب الخليج الأولى، وهو حرفيا ما حصل بعد سنة ونصف من انتهاء الحرب العراقية/ الإيرانية، قامت العراق بغزو الكويت.
14- ترتب على الغزو العراقي لدولة الكويت بعد سلسلة الأحداث التي سبقت الغزو العراقي، ظهور خلل جيو-استراتيجي وأمني ودفاعي في ميزان الكويت الإقليمي بشكل لا يشك فيه أحد، والذي بدوره فتح المجال للقوى الغربية، من العبور خلال هذا الاختلال لضمان أمن دول الخليج الصغيرة من تهديد الغزو.
15- فاستضافت حينها أهم الدول المنتجة للبترول: الكويت والإمارات والبحرين والسعودية مؤقتا ثم قطر قواعد عسكرية أميركية لتعويض الخلل الاستراتيجي في ميزان الخليج الإقليمي مع العراق من جهة وإيران بعد ذلك من جهة أخرى.
16- ثم في عام 2003م اجتاحت القوات الأميركية جمهورية العراق ووضعت قواعدها في الأراضي العراقية وهي أيضا أحد أهم منابع الطاقة في العالم.
17- في المحصلة تتواجد قوات أميركية على امتداد منابع الطاقة في الخليج العربي اليوم، بشكل يمنع تكرار سيناريو الحظر النفطي عام 1967م وحظر 1973م.
18- ختاما نقول: استخدم الغرب مشروع الخميني السياسي لأسباب نفطية استراتيجية، بينما استخدم الخميني «أسباب الغرب الاستراتيجية النفطية» للصعود إلى قمة نظام سياسي ثيروقراطي في إيران يستخدمه لتوسيع نفوذه في منطقة الشرق الأوسط بشكل يتخادم مع حسابات دول المركز الغربية آنذاك.
وفي إطار هذا السياق التاريخي والاستراتيجي علينا ان نقرأ ونفسر حيثيات الاتفاق النووي المنعقد في عهد اوباما مع الايرانيين، والاتفاق النووي الآخر الذي سينعقد معهم مرة اخرى في عهد بايدن الجاري.