منظر مؤسف ومشهد محزن حين ترى أحد معالم وطنك التراثي يحترق، لا بل تلتهمه النيران وتخلفه وراءها رمادا، لا أبالغ عندما أقول إن هناك روحانيات وطنية تربطنا بسوق المباركية تلعب على وتر الوجدان، ذلك المعلم الذي تفد إليه كل الأطياف من جميع دول مجلس التعاون الخليجي، حتى الباحثون الأجانب المهتمون بالتراث العالمي.
لقد احترقت قلوبنا على احتراق جانب كبير من السوق وبما يقارب 300 محل تجاري وإصابة ما يقارب 14 شخصا تم إسعافهم ومعالجتهم، وجاءت الخسائر بالملايين، واستبعدت الشبهات الجنائية، ما يدل على أن الأمر قضاء وقدر.
إن هذا المعلم التراثي الحضاري الكويتي «سوق المباركية» الذي سمي نسبة لأمير الكويت السابع الراحل المغفور له بإذن الله الشيح مبارك الصباح، رحمه الله، سوق تراثي، لا نحصر قيمته فقط، فيما عرفناه من الأجداد والآباء، بدوره في تزويد المواطن بالسلع المختلفة على أنواعها متوافرة في المطاعم والشبرات وسوق السمك وأسواق العطور الشرقية والبخور الأصلي وأسواق الذهب وأسواق الزل وأسواق الصرافين، ناهيك عن سوق اللبس الذي حافظ على الهوية الكويتية، فالزي الوطني للرجل الكويتي «البشوت والدشاديش والغتر» وغيرها.
كما ارتبط «سوق المباركية» بحقبة من تاريخ الكويت، حيث قام المغفور له بإذن الله الشيخ مبارك الصباح عام 1897 بافتتاح «كشك» وعرف على أنه ديوان لإدارة الشؤون العامة، كان الكويتيون يأتون إليه للحديث عن مشاكلهم بهدف فض النزاع وإيجاد الحلول، ومن بعدها أصبح «الكشك» أول محكمة في الكويت، ويعتبر اليوم متحفا أثريا تستعرض فيه مقتنيات الشيخ مبارك ووسائل الحياة في زمانه، كما أن أول صيدلية شعبية في الكويت تأسست 1938 عند الكشك الغربي ثم انتقلت إلى شارع الملك سعود بن عبدالعزيز بالقرب من السوق الداخلي.
وكان «سوق المباركية» ملتقى التجارة الدولية، لأن التجار كانوا يجلبون بضاعتهم من العراق والهند وإفريقيا عبر السفن المحملة، ويلتقون في هذه السوق لتبادل البضائع. وأيضا أتت شهرة السوق على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي لأنها كانت السوق المغذية لدول الخليج، ليصبح بعدها ملتقى التجار الخليجيين. وبيت الشاهد إن «قهوة بوناشي» كانت من أشهر مقاهي الكويت وأقدمها وتقع غربي مدخل سوق التجار وتواجه مسجد السوق الكبير، وكان يؤمها الشيوخ والتجار وكبار رجالات البلد وعلى رأسهم سمو أمير البلاد الذي كان يتواجد فيها يوميا حاشيته لقضاء بعض الوقت لشرب القهوة واستقبال المواطنين وسماع شكاواهم وحل الإشكالات والنزاعات التي تقع بينهم، كما ذكر في كتاب «من هنا بدأت الكويت» للمرحوم خالد الحاتم.. فيا أيتها النار..رفقا بالمباركية.
[email protected]