إن شهر رمضان شهر مبارك وبه الرحمة والغفران، فلماذا هو مبارك وبه تكون الرحمة والغفران؟ ما الذي يحدث حتى يكون شهر رمضان شهرا مميزا في السنة وعلى الجميع الصوم والصيام؟
في البداية آلية رمضان تنشق الى شقين أساسيين:
الأول: صياما: فالصيام هو الامتناع عن الطعام والشراب في وقت مخصوص ثلاثين يوما متواصلا، فالهدف لا يكون فقط من الناحية الإنسانية والاجتماعية والدينية، وإنما كذلك من الناحية العلمية ـ الصحية، في الأسبوع الماضي كنت أشرح لطلبتي في الهيئة العامة للتعليم التطبيقي والتدريب عن الخلية، ولكي أقرب الصورة لهم فقد ترجمتها لهم على أنها عبارة عن مصنع يضم طاقما من العمال والآلات التي تصنع البروتين، والطاقم (العضيات) عبارة عن مدير عام (النواة) وسكرتارية (النوية) وإدارتين عليتين (الشبكة الأندوبلازمية) ومدقق الإنتاج (أجسام غولجي) وقسم الاستيراد والتصدير (الليسسومات) وبنية تحتية (السيتوبلازم) وعمال نظافة (الأجسام المحللة) وأمن (غشاء الخلية) وأخيرا مطبخ المصنع (الميتوكندريا)، فذلك النظام الصغير والذي لا يرى بالعين المجردة والذي يبهر بدقة صنعه وقوة ذاكرته وسرعة إنجازه والقيام بجميع العمليات الحيوية يشتغل أربعة وعشرين ساعة دون راحة على مدار عام، فيأتي رمضان رحمة للمصنع ليتوقف قليلا ويعيد صياغة نفسه وبرمجته والتغييرات اللازمة في التجديد والذي يحفزه الصيام، ولذلك كانت العادات الغذائية في رمضان خاطئة ولا تصح صحيا لصحة الإنسان، فحتى يستفيد - عليه الابتعاد عن المغالاة في تناول السكاكر والمقالي والوجبات الهالكة والمشروبات المضرة، ولذلك كان من السنة أن نبدأ بتناول التمرة لقيمتها الغذائية الكامنة فيه، فقد اكتشف مؤخرا أن التمر من أغنى الأغذية بسكر الجلوكوز فهو أفضل غذاء يقدم للجسم بعد الانقطاع عن الطعام لفترة، فهو يزيل أي توتر عضلي أو عصبي فينعكس على النشاط البدني والهدوء النفسي والسكينة كغذاء متكامل للخلايا في الجسم بمختلف أنواعها، كما أن من أبرز الأمور التي تعيد بناء أجسامنا من الداخل وتقويتها مناعيا وصحيا هي عملية الالتهام الذاتي التي تحدث داخل أجسامنا أثناء الصيام شرط العمل والحركة أي البعد عن مكروهات الصيام منها النوم أثناء فترة الصيام، وذلك من أجل تحفيز عملية الالتهام الذاتي وهي عبارة عن عملية إعادة تدوير مكونات الخلية، أي بمعنى التطهير الخلوي، وهو التخلص من كافة البروتينات والخلايا القديمة والمستنفدة والضارة في العمليات الحيوية للجسم، فالصيام يحفز هرمون النمو وعليه تبدأ أجسامنا بإنتاج خلايا جديدة محفزة للصحة البدنية والنفسية.
ثانيا: الصوم: والصوم برأيي هو الانسلاخ الكامل عن الحياة العصرية المترفة، ومقومات ترفها التلفاز والأجهزة الذكية ومواقع التواصل الاجتماعي والمنتجات التسويقية عبر النت..إلخ من مغريات العصر، فجميع ما يحدث حولنا من ثقافة رمضانية تعتريها معالم الجهل بأهمية هذا الشهر وآلية العمل به، حيث الابتعاد عن اللغو وعن المثيرات الخارجية من أفلام ومسلسلات والغبقات وحفلات القرقيعان.. إلخ أمر مهم لتحفيز الصحة النفسية وتزكية النفس، فشهر رمضان هو شهر البساطة والتواضع والراحة النفسية في العبادات والتقرب من الله عز وجل، ووجب على الإنسان ذلك من أجل إعادة تدوير صحته ونفسه وشخصيته والتخلص من العادات السيئة والأمراض النفسية والبدنية، وعليه فالصوم والصيام والعبادات والأخلاق والعلم بكتاب الله أمانة عند الإنسان الظلوم الجهول.
LinesTitle@