ان التعليم ركيزة مهمة جدا لصناعة النهضة المجتمعية وخلق «إنسان حضاري» منتج للإبداع، لذلك من أساسيات «الدولة المؤسساتية الناجحة» هو «التعليم الممتاز ذو الجودة والحرفية» وهذا ما كان موجودا لدينا في بلدنا الكويت قبل الغزو الغاشم، حيث كنا رائدين على المستوى العربي ومتميزين في هذا الجانب.
من هذه المقدمة ننطلق للحديث عن ظاهرة انتشار الدروس الخصوصية وهي كانت تستخدم في السابق لفئات «خاصة» ولأصحاب الصعوبات الدراسية وهؤلاء فئة «ذوي حاجة» ولديهم متطلبات معينة، وكانت الدولة ترخصها ضمن معاهد أهلية تحت الرقابة أو في جمعيات النفع العام أو ضمن برامج مسائية خاصة تابعة للمدارس الحكومية.
لكن هذه الدروس كانت «الاستثناء» لفئة قليلة وليست «القاعدة»، وهذه المعادلة انقلبت حاليا، حيث أصبحنا نلاحظ انتشار تلك الدروس الخصوصية «سلبيا»، وهذا الأمر «خطير» يجب أن يدق معه جرس الإنذار للمسؤولين والحريصين على البلد.
ان بيئة تعليمية «مضطربة» مثل هذا النوع قد تخلق مشاكل أكبر وتأثيرات أعمق، لأن لدينا «البعض» من الذين قد ينجروا إلى الطمع المالي البشري الساعي للاستفادة الشخصية التي معها يتم إهمال الجانب الوظيفي الحكومي، لكي يزيد تربحهم من عمل تلك الدروس خارج أوقات الدوام الرسمي، وهذا «خلق للفساد» وصناعة له قد يدفع «البعض» وأقول «البعض» كذلك لتصعيب الامتحانات الدراسية لذات الهدف الساعي إلى زيادة الحاجة للدروس الخصوصية، بعيدا عن المهنية الوظيفية.
الأخطر من هذا كله هو تقديم هذه الدروس في المنازل «الخاصة» والشقق السكنية، من غير حالة رقابية أو محاسبة أو تقييم مؤسسي منهجي، وأيضا وجود أطفال ومراهقين دون أولياء الأمور في تلك الأماكن؟ الذين كذلك يعيشون الضرر المضاعف ماليا كمواطنين لأنها أصبحت تمثل ميزانية إضافية ترهق جيوبهم، وهذا الضرر موصول حتى لمن يقدر على تحمل تلك المبالغ المالية الإضافية من «الجماعات التجارية» إذا صح التعبير لأن القلق النفسي والاجتماعي على أبنائهم سيستمر ويتواصل وخاصة أن الاستفسار الكبير قائم ويصرخ بالسؤال المحق وهو لماذا هذا الخلل وهذه «السلبية» وانتشارها كـ «قاعدة» بعيدا عن حقيقتها كـ «استثناء» خصوصا أن هناك كلاما كثيرا ومقلقا بأن التفوق الدراسي أصبح من شبه المستحيل من غير هذه الدروس؟!
علينا أن نعرف أن استخدام الطالب للدروس الخصوصية هو أمر غير منتشر في الدول المتقدمة وحالها يشبه الكويت قبل الغزو في هذه الجزئية، إذن من الواضح أن لدينا مشكلة ضخمة تحتاج إلى حل ودراسة ووضع خطط في طريق التطبيق والمعالجة، لأن هذه الأمور أدت وتسببت في انحدار التعليم في الكويت وهناك أساليب للحل موجودة ومتاحة ومنها مراجعة المناهج، وتفعيل الدور الرقابي لمؤسسات الدولة الذي يجب أن يمنع «تناقض المصالح» بين العمل الحكومي والتدريس من منازلهم؟! وتطبيق ضوابط الجودة التعليمية للأداء الوظيفي للمعلم وربط تلك الضوابط والنجاح في تفعيلها مع الترقية الوظيفية للمعلم وكذلك مع تجديد العقود. ومن الجانب القانوني علينا سد أي فراغ تشريعي يتعلق بالعقوبات والغرامات وكذلك وضع آلية «تبليغ» يستطيع المواطنون معها توجيه وإخبار الجهات المسؤولة عن عمل تلك الدروس الخصوصية في منازل خاصة ومن دون ترخيص.
ومنا لمن يهمه الأمر وهم كثيرون في بلدنا ولله الحمد.