«رمضان في مصر حاجة تانية» تماما كما قالها وترنم بها الفنان الرائع حسين الجسمي، ولا أختلف معه في ذلك قيد أنملة، لكن تعقيبي الوحيد على الجسمي هو «ليس من وعى كمن سمع»، وربما قصد الجسمي التعبير عن ذلك، حينما أكمل جملته في أغنيته الشهيرة عن رمضان في مصر قائلا: «والسر في التفاصيل»، ودعني أشرح لك عزيزي القارئ الأمور، فأنا كثيرا ما أسمع من زملائي وأصدقائي المصريين هذه الجملة، أن رمضان في مصر غير، وكنت أرددها دوما دون أن أدرك كامل معناها، لكن هذا العام وبفضل الله وكرمه أتتني الفرصة لأقضي رمضان في مصر، وهنا تأتي ضرورة التعقيب لأنه حقا «ليس من وعى كمن سمع»، أن تسمع عن رمضان في مصر فهذا شيء جيد، أما أن تعيش هذه الأجواء فهذا شيء ساحر وليس له مثيل، والسر في الكثير من التفاصيل التي مهما بلغت دقيقة في سردها فلن تصف معناها.
أبدأ لك عزيزي القارئ بسرد بعض هذه التفاصيل، لعلني أستطيع نقل ولو جزء يسير من مشاعر البهجة والسعادة التي تغمرني لأني أصوم رمضان في مصر هذا العام. أبدأ بالليلة الأولى، وما أدراك بالليلة الأولى لرمضان في مصر، فحين تتيقن الناس من الرؤية ودخول الشهر الفضيل تشعر أن الشوارع قد استفاقت والدنيا قد تزينت، يخرج الجميع من بيوتهم في سعادة وبشاشة غامرة ـ مهما كانت التحديات والظروف ـ يتبادلون التهاني وكأن يوم فرح أو ملكا متوجا نزل بهم، الجميع يلاقيك بترحاب شديد، وأنت ذاهب لصلاة التراويح في الليلة الأولى، والشوارع كلها تنبض بالبهجة والسعادة الغامرة على الصغير والكبير، وجميعهم يعطيك انطباعا بالحدث بالسعادة للحدث الجلل الذي حل بديار المصريين، فأسعد القلوب وأنار الدروب، فتهيأ الجميع للفوز بنفحات الرحمن وغفران الذنوب، لا تنتهي الليلة الأولى في رمضان عند هذا الحد، بل تمتد إلى ما بعد السحور والانتهاء من صلاة الفجر، فالناس في مصر المحروسة لا تنام من الليل إلا قليلا، أما في رمضان فلا ينامون إلا بعد صلاة الفجر، وهذا فارق هام لم أدركه قبل معايشته.
من التفاصيل الساحرة أيضا، القرآن الكريم بصوت الشيخ محمد رفعت قبيل آذان المغرب يتهادى إلى أذنيك ويتمازج مع غروب الشمس عن مصر المحروسة، ساعات تقضيها قبل صلاة الفجر في الحسين، وتشعر أن للهواء عبقا ساحرا، وهو يتلاعب بزينة رمضان التي تملأ الشوارع والأزقة الضيقة، تناولت لمحات بسيطة عن رمضان في مصر فها هي تستحوذ على السطور ولم أمض من الأيام هنا إلا القليل، وها هي الكلمات لا تروي إلا القليل عن مشاعري الجياشة تجاه هذا الشهر الفضيل في بلد الأمن والطيب الجميل، لم أتكلم بعد في السطور السابقة عن أهل مصر في رمضان، لكن في المقال القادم سوف أروي لكم «قصة نزغ الشيطان» كما سميتها وشيئا من جميل طباع أهل مصر وكرمهم وحسن معشرهم في رمضان، ودمتم بخير ودامت أيامكم عامرة بالخير والبركات، وحفظ الله مصر والكويت وكل الدول العربية والإسلامية من كل شر، وتقبل الله صيامكم وقيامكم.