من صفحاتنا الوطنية المشرقة، قدم التاريخ لنا قادة وأعلاما مبدعين، تركوا إرثا زاخرا بالفكر الإستراتيجي الحديث، فأضاؤوا للحياة طريقا مشرقا ونورا متألقا، لما لهم من رؤى صادقة ومهارات عظيمة، فكانوا على قدر المسؤولية، فحظوا في قلوب مجتمعاتهم، ومن هؤلاء رئيس الأركان العامة السابق للجيش الكويتي الفريق أول ركن متقاعد محمد خالد الخضر، من أبرز الشخصيات العسكرية المصنفة في عصره، صاحب الملكة الفكرية والمهارات القيادية والكمال العسكري، التي أصبحت مرجعا راسخا لأجيال قادمة.
التحق الخضر بالكلية العسكرية عام 1975 ضمن الدفعة الثامنة وتخرج فيها في عام 1977 وكان هذا العام موضع قدم لحياته العسكرية الحافلة بأوجه العطاء، التي قد عايش من خلالها جميع المتغيرات ومراحل التطور للقوات المسلحة إلى حين وصوله إلى سدة رئاسة الأركان العامة، حيث تم وضع استراتيجية التطوير للقوات المسلحة منبثقة من فكر ممنهج ورؤى واضحة تلائم الظروف الحالية والمستقبلية.
حياة الخضر العسكرية مليئة بالأحداث، بداية من مشاركته في واجب حماية المصالح الكويتية في لبنان إبان الحرب الأهلية بالسبعينيات إلى تداعيات الحرب العراقية - الإيرانية في الثمانينيات وما صاحبها من عمليات إرهابية مست أمن البلاد، إلى مواجهة الغزو العراقي وما تبعه من أزمات مع العراق في التسعينيات وصولا لعمليات تحرير العراق عام 2003، فضلا عن مشاركته كرئيس للأركان وإدارته لمشاركة الكويت العسكرية في التحالف الدولي ضد تنظيم داعش، والتحالف العربي لدعم الشرعية في اليمن.
وتقلد الخضر مناصب عديدة أثناء خدمته العسكرية، أهمها آمر لواء المغاوير وآمر كلية علي الصباح العسكرية وآمر القوة البرية ونائب رئيس الأركان العامة، حيث اتصف بالعدالة والمساواة بإنصاف وتوازن والبعد عن الشخصانية، «ومن ساواك بنفسه ما ظلمك»، وله أدوار بارزة خلافا ما ذكرناه آنفا، أهمها:
الحفاظ على تماسك العمل الدفاعي المشترك بين دول المجلس التعاون.
دوره في تعزيز التنسيق والتكامل بين عمليات الجيش ووزارة الداخلية والحرس الوطني وقوة الإطفاء لتنفيذ المهام المشتركة إبان الأزمات التي مرت على البلاد، أهمها أزمة السيول والأمطار وجائحة كورونا.
ويذكر أن للخضر دورا بارزا في إدارة شؤون الأسرى العسكريين الكويتيين في المعتقلات العراقية أثناء الغزو، حيث تم اختياره من قبل قيادات عليا في وقتها وهو برتبة «رائد»، وذلك لما يتمتع به من عقلية محنكة وقيادة فذة، والذي كتب هذه السطور شاهد على ذلك، كوني كنت أحد مساعديه.
اجتمعت للخضر الكفاءة العلمية والإبداع القيادي، حيث اتخذ من حقل التجارب والأحداث منهجا علميا في تطوير العمل في مختلف مسارح العمليات، وكان لديه الجرأة والحزم باتخاذ القرارات وتحول الأفكار إلى أرض الواقع، والقدرة على تلقي الصدمات وإدارة مختلف أنواع المعاضل، وتفويض مرؤوسيه بالسلطة إبان إدارة مختلف أنواع الأزمات.
لقد حقق الخضر أشرف مراتب النجاح وهو حب الناس له والتفافهم حوله عندما أصيب بوعكة صحية صعبة، فتناقلوا الحدث عبر وسائل التواصل الاجتماعي المتعددة في البلاد وخارجها، فاجتمع الناس حوله ورفعوا أكف الضراعة لله أن يذهب عنه هذا البلاء، وما الذي دفع هذا الجمع من الناس إلى ذلك؟! إنها «طهارة نفسه وحسن خلقه».
لقد أمضى الخضر معظم حياته العسكرية بعيدا عن الشهرة والأضواء، وتقاعد في 1 أكتوبر 2020، ويبقى فكره استراتيجيا بما يتضمنه من نواح علمية وعقلانية، تؤكد مدى الحاجة لمثل هؤلاء الإستراتيجيين في جميع مؤسساتنا الوطنية، وما توصلوا به من مفاهيم ومناهج معرفية للاقتداء بها، لتنعكس إيجابا على مقومات أمننا الوطني.. ودمتم ودام الوطن.
[email protected]