بداية، أشكر الجميع على التفاعل السخي الثري مع المقال السابق عن رمضان في مصر، فقد أسعدني التفاعل الكبير على جميع المستويات من الزملاء والمتابعين والأصدقاء من الإخوة المصريين والكويتيين، وأخص بالذكر أستاذي دكتور محمود علم الدين ودكتور شريف اللبان الأستاذين الجليلين بكلية الإعلام جامعة القاهرة. ومن هذه السيرة العبقة لهذه القامات أكمل سلسلة المقالات، وأبدأ في الحديث عن أهل مصر في رمضان، حيث تزداد معالم البهجة والفرح، والحفاوة، والكرم، والترحاب. وسأحاول أن أنقل بعضا من الطبع الجميل لأهل مصر في رمضان من خلال ثلاث صورة وجدتها بديعة ومؤثرة، فآثرت مشاركتها معكم أعزائي القراء..
الصورة الأولى، كانت مع خروجي من صلاة التراويح، الناس في الشارع، في أول ليلة من ليالي الشهر الفضيل، مع خروجي من صلاة التراويح من المسجد، وجدت عددا من الناس متجمعين، ويهللون ويكبرون، وحين اقتربت فإذا بي أجد في وسطهم شخصين يعانقان بعضهما بعضا ويبكيان بكاء شديدا، في موقف مؤثر، أثار فضولي لمعرفة ما السبب في هذا الموقف، فاتضح أنهما جاران من سنين، وقد اختلفا لسبب ما، وقد مرت أشهر طوال على خصامهما ومقاطعتهما لبعضهما بعضا، لدرجة تقاسم الممرات للذهاب إلى المسجد، فإذا ذهب هذا من طريق، ذهب جاره من الطريق الآخر، حتى إذا دخل رمضان ذهب نزغ الشيطان، ودبت الرحمة في القلوب، وعادا وتصالحا وتصافحا وتعانقا في صفو كاللبن وحليب كالقشدة، وفقا للمثل المصري في التصالح.
الصورة الثانية، فهي للأخ والزميل العزيز والجميل الدكتور حمدي طه أستاذ الإعلام بجامعة الأزهر، الذي يخصص مطعما مفتوحا لإطعام المارة بجوار جامعة الأزهر منذ قرابة ربع قرن. وكل هذا عزيزي القارئ، في يوم من الأيام دخل أخي الدكتور حمدي إلى المدرج، فوجد الطلبة يبدو عليهم الإرهاق والتعب، فإذا به يطلب إفطارا وساندويتشات لجميع الطلاب ويجلس للإفطار معهم فكان وردة منيرة بين ألف من الورد. كما ينظم إفطارا جماعيا لجميع الطلاب الوافدين بجامعة الأزهر في كل عام مع حضور قيادات الجامعة وعلى رأسهم رئيس الجامعة الموقر، وقد تشرفت هذا العام بحضور هذا التجمع الإسلامي العالمي العظيم، وقد شرفت بمقابلة العديد من الأجناس والأشخاص، جاءوا من كل حدب وصوب، ليدرسوا في منارة العلم وبلد الأزهر الشريف. لا تكفي السطور للتعبير عن أخي الدكتور حمدي طه، لكنني أعتقد أنه مثال ونموذج يجب استنساخه في مؤسساتنا التربوية والتعليمية في جميع الدول العربية، فهكذا يكون المربي، وهكذا يكون المفكر، وهكذا يكون الأستاذ والداعية.
الصورة الثالثة هي فكرة الطاولات التي يضعها المصريون في رمضان أمام منازلهم من أجل إفطار المارة في الشوارع، علاوة على الشباب الذين يتطوعون للوقوف على الطرقات لتقديم وجبات الإفطار للمسافرين، في إصرار عجيب وحماسة على فعل الخير، يظهر من خلال إصرارهم على تقديم الوجبات لجميع الركاب والمسافرين والمارة، إنها روح المحبة والبهجة والكرم والتسامح والإقبال على فعل الخير من أهل مصر في رمضان، وهي صورة نقية تقية، أسأل الله أن يديمها على أهل مصر الطيبين.
انتصف رمضان، وفي كل يوم أكتشف معلما جديدا من معالم رمضان في مصر، فيزداد حبي لها وتعلقي بها، وطبعا حتى لا يفوتني الحديث عن طعام أهل مصر في رمضان، خاصة «الملوخية»، وما أدراك ما «الملوخية»، إنها قصة عجيبة وجهنمية، لكنها تحتاج إلى مقال آخر، مع الأجواء الساحرة لحسين مصر في رمضان، وهو ما سيكون المقال القادم الذي يوثق رحلتنا مع رمضان في الحبيبة مصر، فإلى لقاء أيها الإخوة والأصدقاء.