- العليمي: الاعتكاف مع ما فيه من حلاوة القرب من الله سنة يجب إحياؤها
- الماص: يستحب للمعتكف أن يكثر من النوافل والصلاة وتلاوة القرآن
الاعتكاف سنّة سنّها النبي صلى الله عليه وسلم وفي رمضان نجد سنة الاعتكاف في العشر الأواخر من رمضان فما مشروعية الاعتكاف وما آدابه وهل للمرأة ان تعتكف؟
يقول د.بدر الماص: ليس الصوم تجويع النفس وإرهاق الجسد وكبت الحرية ولكنه أنجع دواء للأمراض البدنية والنفسية كلها، وتربية كاملة لملكة التقوى والتعود على الخضوع والعبودية والإذعان لله رب العالمين، إنه تربية لقوة العزيمة وتعويد النفس على الصبر وتحمل المشاق والاعتكاف خير وسيلة لهذه التربية العظيمة، ومعنى الاعتكاف: المكث في المسجد بنية العيادة والتقرب لله، وهو من الشرائع القديمة حيث قال تعالى في محكم كتابه: (أن طهرا بيتي للطائفين والعاكفين والركع السجود) ولا يكون الاعتكاف الا في المسجد، وليس ذلك خاصا بالمساجد الثلاثة: المسجد الحرام والمسجد النبوي والمسجد الأقصى وإنما هو جائز في كل مسجد إلا ان الافضل ان يكون في المسجد الجامع، وقد اجمع العلماء على انه مشروع، فقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يعتكف في كل رمضان عشرة ايام، فلما كان العام الذي قبض فيه اعتكف عشرين يوما.
وبين د.الماص ان الاعتكاف إما مسنون وإما واجب، فالمسنون ما تطوع به المسلم تقربا لله وطلبا للثواب، ويتأكد ذلك في العشر الأواخر من رمضان أما عن الاعتكاف الواجب فقال د.الماص: هو ما اوجبه المسلم على نفسه روى البخاري عن عمر رضي الله عنه قال: يا رسول الله إني نذرت ان اعتكف ليلة في المسجد الحرام فقال صلى الله عليه وسلم «أوف بنذرك» وحقيقة الاعتكاف المكث في المسجد بنية التقرب لله فإن لم يقع المكث او لم يصم فلا شيء عليه، وهذا مذهب الشافعي، اما غيره فلا يرى الاعتكاف الا بالصيام.
والاعتكاف المندوب ليس له وقت محدد، فمتى دخل المعتكف المسجد ونوى التقرب الى الله بالمكث فيه صار معتكفا حتى يخرج.
وأما عن اعتكاف العشر الأواخر من رمضان يكون بدخول معتكفه قبل غروب اول الليالي العشر ليلة احدى وعشرين او ليلة العشرين، ويخرج من غروب الشمس آخر يوم من الشهر.
أعمال مستحبة
وعن الأعمال التي يستحب للمعتكف القيام بها قال د.الماص: يستحب للمعتكف ان يكثر من النوافل والصلاة وتلاوة القرآن واستذكاره وتدبره والاستغفار والتسبيح والتحميد والتكبير والصلاة على النبي وكثرة الدعاء، ويكره للمعتكف ان يشغل نفسه بما لا فائدة منه من قول او عمل ويكره لذلك الصمت التام والإمساك عن الكلام ظنا منه ان ذلك مما يقرب إلى الله ويباح للمعتكف خروجه لتوديع اهله، وتنظيف بدنه وثيابه وقضاء حاجته التي لابد منها. قالت السيدة عائشة رضي الله عنها: «كان النبي لا يدخل البيت إلا لحاجة الإنسان» وفي معناه الحاجة للمأكل والمشرب، روى سعيد بن منصور قال: قال علي بن أبي طالب: «إذا اعتكف الرجل فليشهد الجمعة وليحضر الجنازة وليعد المريض ولا يجلس وليأت أهله يأمرهم بحاجته وهو قائم ولا يجلس» وله أن يأكل ويشرب في المسجد وينام فيه مع المحافظة على نظافته.
وأضاف، ويبطل الاعتكاف بخروج المعتكف من المسجد لغير حاجة عمدا، وذهاب العقل بجنون او سكر والحيض والنفاس والوطء لقوله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد - البقرة: 187).
وأشار إلى أن من شرع في الاعتكاف تطوعا ثم قطعه استحب له قضاؤه، اما من نذر الاعتكاف ثم شرع فيه وافسده وجب عليه قضاؤه.
وعن شروط الاعتكاف بين د.راشد العليمي ذلك بقوله: الاعتكاف يكون بالإقامة بالمسجد بنية التقرب الى الله عزّ وجلّ وعلى المعتكف الالتزام بأحكامه التي فصلها الفقهاء وعليه ان يكثر من ذكر الله واستغفاره وتلاوة القرآن والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم وألا يشغل قلبه بما لا يعنيه، وأن يتقرب الى الله بالدعاء وليس للمسلم ان يلزم نفسه بالاعتكاف بمسجد معين اذ لا تشد الرحال إلا لثلاثة مساجد (المسجد الحرام ومسجد رسول الله صلى الله عليه وسلم والمسجد الأقصى)، وإذا كان البعض يقول انه يحسن الاعتكاف بالصمت خشية انزلاق اللسان الى ما يغضب الله او حتى بالتحدث في شؤون الحياة ومادياتها فإن هؤلاء يرد عليهم بأن ديننا دين إيجابي واقعي يكره السلبية ويحارب الرهبانية المبالغ فيها، فعلى المسلم ان يكون سببا في حياة تنبض بالتسبيح متحركة بالعمل والمجاهدة لذا أباح الشرع للمعتكف ان يخرج لقضاء الحاجات وجلب الطعام اذا فقد من يحضره له.
وبين د.العليمي ان الاعتكاف سلوك كان متبعا في الجاهلية قبل الإسلام فقد روي ان عمر بن الخطاب رضي رضي الله عنه كان قد نذر قبل أن يسلم ان يعتكف ليلة في المسجد الحرام وسأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك بعد ان اسلم فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم «أوف بنذرك» فالاعتكاف مع ما فيه من حلاوة القرب من الله، سنة ينبغي ان يحييها كل مسلم ليكون تتويجا لطاعته في شهر الطاعات وموسم القربات.
اعتكاف المرأة
وهل للمرأة ان تعتكف في المسجد أم تعتكف في بيتها؟ قال د.العليمي: اتفق العلماء على ان الرجل لا يصح اعتكافه الا في المسجد لقوله تعالى: (ولا تباشروهن وأنتم عاكفون في المساجد) فخص الاعتكاف بأنه في المساجد، وأما المرأة فذهب جمهور العلماء إلى أنها كالرجل لا يصح اعتكافها إلا في المسجد للآية السابقة ولأن ازواج النبي صلى الله عليه وسلم استأذنه في الاعتكاف في المسجد فأذن لهن، وكن يعتكفن في المسجد بعد وفاته صلى الله عليه وسلم ولو كان اعتكاف المرأة في بيتها جائز لأرشدهن النبي صلى الله عليه وسلم إليه، لأن استتار المرأة في بيتها افضل من خروجها الى المسجد، وذهب بعض العلماء الى ان المرأة يصح اعتكافها في مسجد بيتها وهو الموضع الذي جعلته للصلاة في بيتها ومنع جمهور العلماء ذلك وقالوا: ان مسجد بيتها لا يسمى مسجدا الا على سبيل التجوز وليس هو مسجدا على سبيل الحقيقة فلا يأخذ احكام المسجد ولذلك يجوز دخوله للجنب والحائض، وسئل الشيخ ابن عثيمين رحمه الله في مجموع الفتاوى (264/20): المرأة اذا ارادت الاعتكاف فأين تعتكف؟ فأجاب المرأة إذا ارادت الاعتكاف فإنها تعتكف في المسجد إذا لم يكن في ذلك محذور شرعي وإن كان في ذلك محذور شرعي فلا تعتكف. وليس للمرأة ان تعتكف إلا بإذن زوجها.