إنها ممارسة واجبة في حق كل إنسان أن يراجع أفعاله وينقد ممارساته من أجل تقويمها وإصلاح ذاته لتترقى إلى المستوى المثالي، ولتكون حركتها نحو قمة الأصالة مما يحقق النجاح للتجربة الحية الواعية في حركة الحياة يدعونا القرآن العظيم لممارسة النقد الذاتي عن طريق تفكيرنا بضرورة استجلاء بصيرة الإنسان على نفسه تلك البصيرة التي تحمي الإنسان من خداع النفس والهوى، فإنه مهما بررنا لأنفسنا فإن تلك التبريرات لا تصمد أمام واقع المسؤولية الملقاة علينا والإحساس بفعل الضمير، إذ يقول تبارك وتعالى (بل الإنسان على نفسه بصيرة ولو ألقى معاذيره). لذلك يؤكد القرآن أيضا على أخذ العبر والدروس بالنظر النقدي الفاحص لتجارب الآخرين لذلك فإنه ينهانا عن تقليد الآباء والأجداد. قال تعالى (بل قالوا إنا وجدنا آبائنا على أمة وإنا على آثارهم مهتدون وكذلك ما أرسلنا من قبلك في قرية من نذير إلا قال مترفوها إنا وجدنا آباءنا على أمة وإنا على آثارهم مقتدون). لذلك فإن العقل يجب أن يفكر بطريقة برهانية ونقدية لدى المسلم، وهذه هي الأسس والمبادئ لكيفية التعرف على الظواهر المجتمعية والنفسية.
النقد عملية معرفية حقيقتها الفحص والاختبار ووضع كل شيء في ميزان العقل والاحتكام إلى معايير العلم والموضوعية ولكن ومع كل هذا التركيز القرآني على ضرورة المراجعة والنقد، إلا أن واقع المسلمين يخلو من هذه القيمة، بل هناك الكثير ممن يحاربها وتظل القناعات النفسية والثقافية التي لا تراجع تتحول إلى حقائق ثابتة وبذلك تزيد الغفلة وتتحكم القيم الفاسدة بحيث يخاف الناس من ممارسة أي نقد للسلوك والممارسات والأفكار مما يخلق حالة الجمود عليها ويعطل حركة التقدم في المجتمع.
النقد هو الذي يثري الواقع والفكر والثقافة. والنقد هو الممارسة الضرورية لإثراء الاختلافات الثقافية والمعرفية، ودفع الشعوب والأمم حين الهزائم إلى الوقوف الصارخ في وجه كل ما هو سلبي وسيئ.
إننا بحاجة دائما إلى أن نتعامل مع هزائمنا وانتصاراتنا بموضوعية بحيث إننا لو انتصرنا لا نغتر ولا نتعالى فنلغي الآخرين ولو انهزمنا ندرس أسباب هزيمتنا بشكل موضوعي وهادئ، ودون أن يؤثر هذا على جوهر قيمنا وكينونتنا ولا ريب أن الموضوعية تحتم علينا دراسة عوامل الإخفاق وتأكيد عناصر النجاح في آن واحد أن تجريح الذات وجلدها ليس نقدا للذات بل انه في حقيقة الأمر إخفاء للمسؤولية وارتكاس نحو السلبية ولإبعادنا عن مواطن الإبداع الفكري والعلمي ولعدم رؤية الحاضر بنقد موضوعي يحقق نهضة حقيقية.
إن الفكر النقدي يوجب علينا أن نتمسك بـ «القوانين الموضوعية» للظواهر الاجتماعية والإنسانية فينبغي أولا دراسة الظاهرة والكشف عن قوانين عملها وحركتها وعن طبيعة العلاقة التي تربط بين عناصرها المختلفة ومن ثم نقوم ثانيا بدراسة النتائج الأخيرة بعيدا عن المسبقات ولا ريب ثالثا من الالتزام بان تكون غايتنا من المراجعة الإصلاح لكي ينطلق النقد من مبدأ المسؤولية الذاتية تجاه فعل الإصلاح ولأنه سبيلنا إلى التطور والازدهار.