المستقبل هو منتوج صناعة حركة الحاضر، وهو لا يحدث بالصدفة بل عن طريق التخطيط والعمل ضمن أهداف مع استخدام أدوات ووسائل الواقع بعيدا عن الأحلام وخيالات الوهم.
إن التنمية البشرية للفرد والمجتمع هي أحد الأهداف ولكن هذه المقولة من العموميات الكلامية والتي تحتاج لتفصيل لكيلا نقع في واقع الخطابات والشعارات والتي تسقط أهميتها إذا لم تأت معها الخطط والحركة التطبيقية على ارض الواقع التي تتجه إلى الأهداف.
إذن ما هو الذي نريده نحن الكويتيين؟ وما الذي نحتاجه لصناعة المستقبل؟ وهل احتياجاتنا تختلف عن الخطط العامة لما يسمى بالتنمية المستدامة وغيرها؟ هناك عدة نقاط مهمة ومنها الحفاظ على الاستقلال وأيضا تقوية ركائز الدولة المؤسساتية وضمان عدم تكلس تلك المؤسسات وفقدانها القدرة على العمل ومنع فشلها في حل تناقضات ومشاكل المجتمع والفرد، والتي أهمها استمرار وجود دولة رعاية ذات جودة من إسكان وتعليم وصحة وأمن غذائي ومواصلات مريحة، وهذا ما يجب أن نعمل على ضمانه في المستقبل خاصة للطبقات الشعبية، من هنا علينا التفكير في إعادة صناعة «النموذج النرويجي» في واقعنا الكويتي المحلي وان ندرس كيف استفادوا من ثروتهم النفطية «المؤقتة» والقليلة نسبيا من احتياطي نفط العالم في صناعة استدامة للثروة وعمل تمويل متواصل «غير نفطي» يمد وينعش مؤسسات الدولة وأوعيتها الدموية بدماء الحياة والشباب، حيث كانت النرويج من اقل دول العالم تقدما قبل اكتشاف النفط هناك لتصبح حاليا من افضلها وارقاها، وهناك جانب مهم في هذا الإطار يتعلق بربط الكويت مع خطوط التجارة الجديدة القادمة إلى كل العالم برعاية صينية ودعم روسي، خاصة مع تعدد أقطاب القوة والسيطرة العالمية الآتية إلينا مستقبلا، وهذه نقطة إيجابية انتبهت لأهميتها وأدركت حيويتها الدولة عندنا مع مشروع مدينة الحرير وإعادة دورنا الكويتي القديم كميناء ومركز تجاري دولي وإعادة ربط بلدنا مع تلك الخطوط التجارية الجديدة، وهذا الأمر أتصور أن على البرلمان والسلطة التنفيذية عمل جلسة حوارية داخل قبة عبدالله السالم لمناقشة آخر مستجدات ما حصل بشأنه، وما تم العمل بخصوصه بعيدا عن أي إثارات إعلامية، فالمسألة تقنية اقتصادية تنموية مستقبلية بحتة يجب بحثها.
هنا بقي لدينا التأكيد على دور «الجماعات التجارية» وعلى وضع الخطط والضمانات لإشراكها في النقاش والحوار إعلاميا وضمن اللجان الاختصاصية وكذلك الحركة العملية والضمان القانوني لتضخيم وزيادة حجم تعاملهم الدولي الخارجي والذي نحتاج إلى زيادة قوته وتأثيره، وهنا يجري الكلام وبقوة على ربط قروض ومنح الصندوق الكويتي للتنمية بأن تكون على هيئة «عقود» ينفذها وتشغلها حصرا شركات ومؤسسات «كويتية فقط لا غير» وهذا به إعادة تدوير للمال الكويتي وتقوية تلك الشركات دوليا.
هذه بعض الملامح المستقبلية وجب علينا ككويتيين «دولة» و«شعبا» أن نعمل لها ونحققها لأن جذور المستقبل هو صناعة الحاضر وهو مبني ومؤسس على تطبيق خططنا وهنا سنصنع الواقع الملموس بعيدا عن خيالات ليس لها وجود.