تناولت هذه الدراسة الفنية، التي أعدها الباحث المتخصص بالمالية العامة بدر مشاري الحماد والمنشورة في مجلة كلية القانون الكويتية العالمية، مدى هيمنة مجلس الخدمة المدنية على الجهات الحكومية بوجه عام والهيئات والمؤسسات المستقلة بوجه خاص، في ظل تطور التشريعات الكويتية التي تنظم الشؤون الوظيفية، والانعكاسات المالية لهذا التطور نتيجة للقرارات الإدارية التي تتخذ بشأن تنظيم شؤون التوظف بالجهات الحكومية، ودور الأجهزة الرقابية في التحقق من مدى التزام الجهات الحكومية للتشريعات المنظمة لشؤون توظف بالدولة بعد صدور المرسوم بالقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية وتعديلاته، والذي مثل استقرارا للتنظيم الوظيفي بالدولة، خاصة بعد إنشاء مجلس الخدمة المدنية ضمن أحكامه في ظل وجود تنظيمات خاصة لشؤون التوظف بالعديد من الجهات الحكومية، حيث تأثرت تلك التنظيمات بصور هذا المرسوم بالقانون.
الهدف من الدراسة والإشكاليات المطروحة فيها
يرى الباحث ان المرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية وتعديلاته، جاء متضمنا أحكاما ومبادئ ثابتة تتعلق بتنظيم شؤون التوظف بالدولة، كما منح المرسوم بالقانون بعض المرونة بخصوص تنظيم بعض المسائل المتعلقة بشؤون التوظف، إما من خلال اختصاصات مجلس الخدمة المدنية أو من خلال مرسوم تنفيذي يصدر بهذا الشأن.
ونتيجة لتوسيع نطاق أعمال نظام الرقابة المالية المسبقة المكلفة بها وزارة المالية قبل صدور القانون رقم 23 لسنة 2015 بشأن إنشاء جهاز المراقبين الماليين، واجه نظام الرقابة المالية المسبقة مشكلة تمثلت بتمتع الهيئات والمؤسسات المستقلة بالاستقلالية المالية بالإضافة إلى الاستقلالية الإدارية المتمثلة بشؤون التوظف، مما خلق تفاوتا في الإجراءات الرقابية التي يمارسها نظام الرقابة المالية المسبقة فيما بين الجهات الحكومية التي تصنف ميزانيتها كوزارات وإدارات حكومية، والجهات الأخرى التي تصنف ميزانيتها على أنها جهات ذات ميزانيات مستقلة.
وفي ظل هذا التفاوت بالإجراءات الرقابية، برز عدد من الإشكاليات نتيجة للممارسة العملية لنظام الرقابة المالية المسبقة والتي لخصها الباحث بالتساؤلات التالية:
٭ ما نطاق سريان المرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية؟
٭ هل تمتد هيمنة مجلس الخدمة المدنية إلى الهيئات والمؤسسات ذات الميزانيات المستقلة؟
٭ هل تلتزم الهيئات والمؤسسات المستقلة بأحكام الخدمة المدنية المتعلقة باختصاصات مجلس الخدمة المدنية؟
ومن خلال هذه الدراسة، سلط الباحث الضوء على تلك الإشكاليات التي واجهت نظام الرقابة المالية المسبقة عند ممارسة اختصاصاته على الجهات الحكومية، والكيفية التي تعامل معها النظام.
الجوانب التنظيمية للأجهزة الرقابية المعنية
ذات العلاقة بشؤون التوظف
بين الباحث في الدراسة دور ديوان المحاسبة بالرقابة على شؤون التوظف وفقا لقانون إنشائه رقم 30 لسنة 1964 والذي يهدف إلى تحقيق رقابة فعالة على الأموال العامة، وذلك عن طريق ممارسة الاختصاصات المخولة له بمقتضى قانون إنشائه، والتي منها رقابته على شؤون التوظف المنصوص عليها بالقانون، حيث وردت أحكام تفصيلية في هذا الشأن، والتي تناولت دور الديوان في فحص ومراجعة القرارات الصادرة في شؤون التوظف بالجهات الخاضعة لرقابته، وذلك للاستيثاق من صحة هذه القرارات ومطابقتها للقواعد المنظمة لها، وفحص ومراجعة حسابات المعاشات والمكافآت، كما تناولت الإجراءات الواجب اتخاذها من الديوان تجاه الجهات الخاضعة لرقابته في هذا الشأن.
وفيما يتعلق بدور جهاز المراقبين الماليين بالرقابة على شؤون التوظف، فعلى الرغم من أن اختصاصات المراقبين الماليين تتعلق بالمسائل المالية، إلا أن تلك المسائل المالية تأتي نتيجة لنشاطات الجهات الحكومية المختلفة، والتي منها ما يتعلق بالمرتبات والأجور، لذلك أصبح من الصعب أن نحصر مهام ومسؤوليات المراقبين الماليين بالجانب المالي فقط، حيث امتدت مسؤولياتهم إلى القرارات الإدارية ذات الأثر المالي ومنها القرارات الإدارية المتعلقة بشؤون التوظف.
ولم تكن مسألة مراجعة المعاملات المالية المتعلقة بشؤون التوظف تشكل أي إشكالية لدى القائمين على نظام الرقابة المالية المسبقة منذ تطبيق النظام في عام 1993، ومرورا بالتطورات التي ألحقت باختصاصات المراقبين الماليين، وذلك بسبب مركزية صدور قرارات وتعاميم شؤون التوظف الخاصة بالجهات الحكومية (الوزارات والإدارات الحكومية والهيئات ذات الميزانيات الملحقة)، والتي تصدر من مجلس الخدمة المدنية وديوان الخدمة المدنية حيث تتسم بالثبات والشمولية.
ولكن بعد مد نطاق الرقابة المالية المسبقة بصدور القانون رقم 55 لسنة 2001 وسريان تعيين المراقبين الماليين على الهيئات والمؤسسات ذات الميزانيات المستقلة، برزت إشكاليات تتعلق بنظام شؤون التوظف في تلك الهيئات والمؤسسات، نظرا لوجود بعض الأنظمة الخاصة بشؤون التوظف فيها، الأمر الذي استلزم بذل عناية خاصة من قبل نظام الرقابة المالية المسبقة في تلك الجهات للاستيثاق من سلامة إجراءات الصرف المتعلقة بشؤون التوظف فيها، خاصة أن النظام يتعامل مع أكثر من 30 قانونا خاصا بعد الأخذ بعين الاعتبار قوانين إنشاء الجهات ذات الميزانيات الملحقة أيضا، هذا بخلاف اللوائح التنفيذية لها.
وبالنسبة لدور ديوان الخدمة المدنية الرقابي، فنتيجة لتطور التشريعات المتعلقة بشؤون التوظف بالدولة منذ عام 1955 حتى صدور المرسوم رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية والذي بموجبه أنشئ مجلس الخدمة المدنية، برز دور ديوان الخدمة المدنية الرقابي ونطاق عمله وفقا لما وضحه المرسوم بالقانون، بما في ذلك الجهات التي تنظم شؤون الخدمة فيها قوانين خاصة، فيما لم يرد بشأنها نص خاص في هذه القوانين.
وبموجب المرسوم بالقانون تم إنشاء مجلس الخدمة المدنية وتم تحديد أربعة عشر اختصاصا له، ومن أهمها اقتراح السياسة العامة للمرتبات والأجور بما يكفل التنسيق بين الجهات الحكومية والهيئات والمؤسسات العامة والشركات التي تساهم فيها الدولة بأكثر من نصف رأسمالها، وقد أصدر مجلس الخدمة المدنية قراره رقم 10 لسنة 2002 في شأن نظام تعيين مراقبين لشؤون التوظف بالوزارات والإدارات الحكومية والجهات الملحقة التابعة لديوان الخدمة المدنية، وذلك تنفيذا للقانون رقم 19 لسنة 2000 في شأن دعم العمالة الوطنية، والذي أضاف اختصاصات لمجلس الخدمة المدنية، منها تعيين مراقبين لشؤون التوظف، ومن أهم اختصاصاتهم متابعة تنفيذ أحكام القوانين واللوائح والنظم المتعلقة بشؤون التوظف للتأكد من سلامة تطبيقها في الجهة الحكومية، ومراجعة كل الموضوعات والقرارات المتعلقة بشؤون التوظف قبل البت فيها أو صدورها للتأكد من مطابقتها للقواعد القانونية المعمول بها.
وهذا يوضح حدود دور مجلس وديوان الخدمة المدنية بخصوص شؤون التوظف بالجهات الحكومية، باعتبار أن التشريعات الخاصة بتنظيم الجهات الحكومية وعلى وجه التحديد الهيئات والمؤسسات الحكومية هي التي تحدد نوع العلاقة بين الجهة الحكومية وديوان الخدمة المدنية المسؤولة عن تطبيق أحكام قانون الخدمة المدنية، وكذلك دوره الرقابي على شؤون التوظف بالجهات الحكومية، وفق الإطار الذي حدده قانون الخدمة المدنية، مما يتضح سمة التباين في طبيعة تلك العلاقة بسبب التباين في تشريعاتها الخاصة بنظيمها.
حدود ولاية مجلس الخدمة المدنية
على نظم شؤون التوظف بالجهات الحكومية
نظرا لخصوصية الهيئات والمؤسسات ذات الميزانيات المستقلة، فإن تنظيم أعمالها يخضع لقوانين إنشاء تلك الهيئات والمؤسسات وتنظيمها (قوانين خاصة)، وبخلاف ذلك تسري عليها القوانين العامة التي تنظم أعمال الدولة، لذلك تطلب الأمر من نظام الرقابة المالية المسبقة مراعاة تلك التشريعات الخاصة، خاصة فيما يتعلق بشؤون التوظف فيها، وذلك لما يشكله هذا الجانب من أهمية نظرا لأثره المالي على الميزانية العامة للدولة، في ظل بروز جدل قانوني بين الهيئات والمؤسسات المستقلة والجهة المعنية بنظام الرقابة المالية سواء كانت ممثلة بقطاع الرقابة المالية بوزارة المالية قبل استقلالية النظام أو جهاز المراقبين الماليين، في شأن مدى أحقية تلك الهيئات والمؤسسات في تنظيم الموضوعات التي تتعلق بنظم الرواتب والأجور فيها.
لذلك أصبح من الضروري حسم الأمر في هذا الشأن لتحديد الدور المطلوب من نظام الرقابة المالية المسبقة وفق الإطارات القانونية المنظمة لعمل النظام، وكذلك وجوب احترام تلك الهيئات والمؤسسات القوانين المنظمة لأعمالها.
ونظرا لصدور المرسوم بالقانون رقم 15 لسنة 1979 في ظل وجود قوانين إنشاء هيئات ومؤسسات حكومية وتنظيما لأعمالها، فقد تناول المرسوم في مواده أحكاما انتقالية لمعالجة ما قد صدر من لوائح تنظيمية لشؤون التوظف لتلك الهيئات والمؤسسات قبل صدور المرسوم بقانون، ومنها ما سمحت باستمرار العمل باللوائح والقرارات المعمول بها في شؤون التوظف وقت نفاذ هذا القانون لمدة سنة أو لحين صدور اللوائح والنظم المشار إليها فيها، أيهما أقرب، وذلك بشرط ألا تتعارض مع أحكام هذا القانون وألا يترتب على تطبيق الجداول المرافقة لنظام الخدمة المدنية أو الصادرة أي زيادة في قيمة البدلات والعلاوات الإضافية والمكافآت التشجيعية التي تصرف وقت صدوره، ويستمر صرف هذه القيمة إلى أن يحدد مجلس الخدمة المدنية أو السلطة المختصة القواعد والأحكام والشروط المنظمة لها.
كما أوجبت الأحكام الانتقالية بأن تعرض نظم المرتبات المعمول بها في الهيئات والمؤسسات العامة والشركات المملوكة للدولة ملكية كاملة على مجلس الخدمة المدنية للنظر في إقرارها أو تعديلها حسب الأحوال، هذا ولا تجيز المادة إجراء أي تعديل على هذه النظم إلا بموافقة مجلس الخدمة المدنية، ومن جانب آخر أجازت المادة لمجلس الخدمة المدنية عند الاقتضاء مراجعة نظم المرتبات المعمول بها في الشركات والتي تساهم فيها الدولة بأكثر من نصف رأسمالها بما يكفل تنفيذ السياسة العامة للمرتبات والأجور، هذا وسمحت الأحكام تعديل المرتبات والعلاوات والبدلات المتعلقة بالموظفين والتي تنظم شؤون توظيفهم قوانين خاصة على أن يكون ذلك بمرسوم.
ولقد أسهبت المذكرة الإيضاحية للمرسوم بالقانون في شرح الأحكام الانتقالية المشار إليها، حيث تم تبرير ذلك بأنه جاء تفاديا لما قد يترتب على صدور جداول المرتبات من زيادات في البدلات والعلاوات الإضافية والمكافآت التشجيعية، فقد نصت هذه المادة على استمرار صرف هذه البدلات والعلاوات والمكافآت بالقيمة التي وصلت إليها وقت صدور هذا القانون وذلك إلى أن يحدد مجلس الخدمة المدنية القواعد والأحكام والشروط المنظمة لها.
كما أوضحت المذكرة الإيضاحية أنه لما كانت المرتبات التي تمنح لبعض موظفي الهيئات والمؤسسات العامة تتجاوز ما يمنح لأقرانهم في الجهات الحكومية أو في الهيئات أو المؤسسات المماثلة والشركات المملوكة للدولة ملكية كاملة، لذلك فقد نص القانون على ضرورة عرض نظم المرتبات في هذه الهيئات والمؤسسات والشركات على مجلس الخدمة المدنية لإقرارها أو تعديلها حسب الأحوال، كما نص المرسوم بقانون على عدم جواز إجراء أي تعديل على نظم المرتبات في هذه الهيئات أو المؤسسات أو الشركات مستقبلا إلا بعد موافقة مجلس الخدمة المدنية، فضلا عن الرخصة المتروكة لهذا المجلس في مراجعة نظم المرتبات المعمول بها في الشركات التي تساهم فيها الدولة بأكثر من نصف رأسمالها بما يكفل تنفيذ السياسة العامة للمرتبات والأجور.
وبشأن الموظفين الذين تنظم شؤون توظيفهم قوانين خاصة، فقد أوضحت المذكرة الإيضاحية أن القانون قد نص على جواز تعديل مرتباتهم وعلاواتهم وبدلاتهم بمراسيم، وذلك لتحقيق التناسق والتجانس بين مرتب العمل الواحد سواء في الجهات الحكومية، أو الهيئات، أو المؤسسات العامة، أو غيرها من الجهات التي تنظم شؤون التوظف فيها قوانين خاصة.
لذا، من وجهة نظر الباحث، فإن صدور المرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية أعاد أدوار بعض الجهات التي كانت لها اختصاصات بقوانين إنشائها قبل صدور هذا المرسوم بقانون، حيث أعاد دور وزير المالية في ذلك الوقت، حيث كان لوزير المالية الحق في إصدار القرارات التي تنظم القواعد الخاصة بالبدلات والمكافآت وغيرها، والتي منحت استقلالية لديوان الموظفين كهيئة تشرف على شؤون الموظفين والمستخدمين وألحقت برئيس المالية.
كما أعاد المرسوم بالقانون دور ديوان المحاسبة، حيث كان لديوان المحاسبة بموجب الفصل الرابع من قانون إنشائه رقم 30 لسنة 1964 الحق في إقامة الدعوى التأديبية ضد المخالفين من الموظفين العموميين (عدا الوزراء) أمام الهيئة التي نص القانون على اختصاصاتها بالمحاكمات التأديبية عن ارتكاب المخالفات المالية.
وهناك من يرى ضرورة استبعاد قانون الخدمة المدنية في مجال تطبيق القوانين الخاصة التي تنظم شؤون التوظف فيها نظم خاصة حتى في ظل المادة رقم 38 من قانون الخدمة المدنية، إلا أن وجهة نظر الباحث لا تميل إلى هذا الرأي، وان كان قانون الخدمة المدنية يعتبر قانونا عاما إلا أنه تضمن أحكاما خاصة يخاطب بها قوانين خاصة ويقيدها مما يؤثر على الاستثناءات التي منحها المشرع له.
ومن الإشكالات المطروحة في هذه الدراسة جاء نتيجة للفهم الخاطئ لاختصاصات كل من مجلس الخدمة المدنية وديوان الخدمة المدنية والخلط فيما بينهما من قبل الجهات الحكومية، خاصة عندما تتم الإشارة لهما في قوانين إنشاء الهيئات والمؤسسات ذات الميزانيات المستقلة وبعض الهيئات ذات الميزانيات الملحقة، وللأسف هذا الفهم الخاطئ لم تقع فيه الجهات الحكومية فقط وإنما أيضا بعض العاملين على الجهات الرقابية، لذا يستوجب هنا أن نصحح هذا الفهم الخاطئ، حيث ان اختصاصات مجلس الخدمة المدنية تختلف عن اختصاصات ديوان الخدمة المدنية.
وقد دلل الباحث في دراسة بالجوانب القانونية ذات العلاقة بموضوع الدراسة والتي تؤكد على هيمنة مجلس الخدمة المدنية على الجهات الحكومية، وبالأخص التي تشمل قوانين إنشائها أحكاما خاصة بشؤون التوظف كالهيئات والمؤسسات ذات الميزانيات المستقلة، ولعل من أبرزها وأهمها رأي إدارة الفتوى والتشريع والمتعلق ببيان المقصود بنظم المرتبات التي يجب عرضها على مجلس الخدمة المدنية إعمالا لحكم المادة 28 من المرسوم بالقانون رقم 15 لسنة 1979 في شأن الخدمة المدنية، وهل تقتصر على جداول المرتبات أو تشمل جداول المرتبات، والبدلات، والعلاوات الإضافية، وأي مزايا مادية أو عينية، أم أنها تعني هذه المفردات جميعا بالإضافة إلى القواعد والأحكام المنظمة لها كقواعد التعيين، والترقية، ومنح البدلات، والعلاوات.
حيث أفادت إدارة الفتوى والتشريع بما انتهى إليه رأي الجمعية العمومية للقسم الاستشاري من أن اختصاص مجلس الخدمة المدنية في إقرار وتعديل نظم المرتبات يشمل المرتبات الأساسية، والعلاوات الدورية، والأجور الإضافية، والبدلات، وأي مزايا مادية أو عينية أخرى تقرر للموظف، وأن مباشرة هذا الاختصاص يوجب على الهيئة أو المؤسسة العامة أو الشركة حسب الأحوال، أن تعرض على المجلس النظام الوظيفي الخاص بها، وذلك تفسيرا للمادة 5 من المرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979 في شأن اختصاصات مجلس الخدمة المدنية بالفقرة 3 التي تنص على اقتراح السياسات العامة للمرتبات والأجور بما يكفل التنسيق بين الجهات الحكومية والهيئات، والمؤسسات العامة، والشركات التي تساهم فيها الدولة بأكثر من نصف رأسمالها، والمادة 38 التي نصت على أن تعرض نظم المرتبات المعمول بها في الهيئات والمؤسسات العامة والشركات المملوكة للدولة ملكية كاملة على مجلس الخدمة المدنية للنظر في إقرارها أو تعديلها حسب الأحوال. ولا يجوز بعد ذلك إجراء أي تعديل على هذه النظم إلا بموافقة مجلس الخدمة المدنية. كما يجوز لمجلس الخدمة المدنية عند الاقتضاء مراجعة نظم المرتبات المعمول بها في الشركات التي تساهم فيها الدولة بأكثر من نصف رأسمالها بما يكفل تنفيذ السياسة العامة للمرتبات والأجور.
وقد أسست أيضا إدارة الفتوى والتشريع رأيها على ضوء الغاية التي شرع النص من أجلها، وهي كفالة التناسق والتجانس بين مرتب العمل الواحد سواء في الجهات الحكومية، أو الهيئات، أو المؤسسات العامة والشركات المملوكة ملكية كاملة للدولة، وهي ما أفصحت عنه المذكرة الإيضاحية للقانون، وقد فسرت إدارة الفتوى بأن المقصود بنظم المرتبات في مفهوم المادة 38 هو تحديد الدرجات المقابلة للوظائف في الهيئة، أو المؤسسة، أو الشركة والربط المالي المخصص لكل درجة، وفئات العلاوات الدورية لها، والأجور الإضافية، والبدلات، وأي مزايا مادية، أو عينية أخرى، بوصفها حقوقا مالية تصرف للموظف لقاء عمله في الوظيفة التي يشغلها في الهيئة، أو المؤسسة، أو الشركة طبقا للشروط والأوضاع المقررة في اللوائح أو النظم الوظيفية لهذه الهيئات، وذلك بما يكفل الرقابة على هذه النظم والتنسيق بينهما على وجه يحقق الغاية المستهدفة، وهي تحقيق التناسق والتجانس بين مرتب العمل الواحد سواء في الجهات الحكومية، أو الهيئات المذكورة.
تنظيم شؤون التوظف في الهيئات
والمؤسسات المستقلة وفقاً لنظرة المشرع
وفقا للدلالات القانونية التي تؤكد هيمنة مجلس الخدمة المدنية على الجهات الحكومية، وبالأخص التي تشمل قوانين إنشائها أحكاما خاصة بشؤون التوظف كالهيئات والمؤسسات ذات الميزانيات المستقلة، وهي تمثل الآراء القانونية التي حسمت بعض الخلافات ببن الجهات الحكومية والجهات الرقابية بشأن هيمنة مجلس الخدمة المدنية، فإن التشريعات المنظمة للجهات الحكومية هي الفيصل في تحديد سلطة تلك الجهات في تنظيم شئون التوظف فيها، ولعل من الأهمية أن نتطرق إلى بعض تلك التشريعات لنؤكد وجه النظر تلك.
فمؤسسة التأمينات الاجتماعية على سبيل المثال هي من الجهات ذات الميزانيات المستقلة أنشئت بموجب الأمر الأميري بالقانون رقم 61 لسنة 1976، وقد نصت الفقرة «د» من المادة رقم 6 منه بأن من اختصاصات مجلس إدارة المؤسسة إصدار القرارات اللازمة لتنظيم الشئون المالية والإدارية للمؤسسة وتحديد مرتبات العاملين وجميع القواعد المتعلقة بشؤونهم الوظيفية، إلا أنه بصدور المرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية وما تضمن من أحكام انتقالية تعالج ما صدر من تشريعات سابقة منحت بعض الجهات الحكومية سلطة تنظيم شئون موظفيها كمؤسسة التأمينات الاجتماعية، قد قيدت تلك السلطة من خلال الرجوع إلى مجلس الخدمة المدنية صاحب الاختصاص في هذا الشأن وفق ما قرره المرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979، فلم يعد للفقرة «د» من المادة رقم 6 المشار إليها سالفا أية قيمة قانونية، وهذا ما أكدته إدارة الفتوى والتشريع في رأيها المتعلق بالخلاف في هذا الشأن بين المؤسسة وجهاز المراقبين الماليين، حيث انتهى رأي الإدارة إلى وجوب عرض نظم مرتبات المتقاعدين مع مؤسسة التأمينات الاجتماعية على مجلس الخدمة المدنية.
ومؤسسة البترول الكويتية وهي أيضا من الجهات ذات الميزانيات المستقلة أنشئت بموجب المرسوم بالقانون رقم 6 لسنة 1980، أي أنها أنشئت بعد صدور المرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية، وقد نصت الفقرة رقم 4 من المادة 16 بشأن اختصاصات المجلس الأعلى للبترول بأن يتولى وضع نظام الموظفين والعاملين بالمؤسسة دون إخلال بأحكام المادتين رقم 5 ورقم 38 من القانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية، هذا ولم يغير من الأمر شيئا مما نصت عليه الفقرة رقم 3 من ذات المادة والمتعلقة بإقرار المجلس الأعلى للبترول للوائح الإدارية والمالية للمؤسسة، واللوائح الإدارية تختلف عن نظام الموظفين والعاملين والذي يشمل المرتبات والمكافآت والحوافز النقدية والعينية تأسيسا على المادة رقم 5 من المرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979.
من جهة أخرى، نرى الهيئة العامة للاتصالات وتقنية المعلومات والمنشأة بموجب القانون رقم 37 لسنة 2014 وتعديلاته قد نص القانون بموجب الفقرة «ث» من المادة رقم 8 بمنح مجلس إدارة الهيئة سلطة إقرار لائحة شؤون التوظف بالهيئة والمتضمن قواعد تعيين الموظفين وترقيتهم وتأديبهم ومرتباتهم ومكافآتهم والمزايا العينية والنقدية وسائر شئون الخدمة المدنية، وأيضا لم يغير من الأمر شيئا مما نصت عليه الفقرة «ذ» من ذات المادة والمتعلقة بإقرار مجلس إدارة الهيئة للوائح الإدارية والمالية للهيئة.
تعامل الأجهزة المعنية مع حقيقة هيمنة مجلس الخدمة المدنية
على شؤون التوظف بالدولة
من خلال الدراسة التي أعدها الباحث، أبرز الباحث حقائق ثابتة بشأن هيمنة مجلس الخدمة المدنية على شؤون التوظف بالدولة، وتتمثل بالآتي:
1 ـ إن ما انتهى إليه رأي الجمعية العمومية للقسم الاستشاري يعتبر رأيا قاطعا بشأن دور واختصاصات مجلس الخدمة المدنية في هذا الشأن وهيمنته ما لم يرد نص صريح بالاستثناء من أحكام القانون رقم 15 لسنة 1979.
2 ـ إن القوانين والمراسيم بالقوانين الخاصة بإنشاء الجهات الحكومية والمنظمة لعملها والصادرة قبل تاريخ صدور المرسوم بالقانون رقم 15 لسنة 1979، صدرت في ظل تشريعات سابقة تنظم شؤون التوظف بالدولة، وبالتالي فإن ما ورد بقوانين ومراسيم القوانين بإنشاء تلك الجهات قد راعت تلك القوانين والتشريعات المتعلقة بشؤون التوظف في ذلك الوقت سواء بالتأكيد على التقيد بها أو بالاستثناء من أحكامها.
3 ـ إن صدور المرسوم بالقانون رقم 15 لسنة 1979 قد أكد على هيمنة مجلس الخدمة المدنية على وضع أطر السياسة العامة للدولة لتحديث الإدارة العامة وتطوير نظم الخدمة المدنية في الجهات والمؤسسات الحكومية وفق الاختصاصات المحددة بأحكام المرسوم بقانون.
4 ـ إن المرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979 قد راعى الأحكام الخاصة بشؤون التوظف الواردة والمراسيم بقوانين إنشاء الجهات الحكومية السابقة لإصداره، والتي أصبحت في ظل المرسوم بقانون من اختصاصات مجلس الخدمة المدنية، الأمر الذي أورد المشرع فيه أحكاما انتقالية تؤكد دوره واختصاصاته في تلك الأحكام الخاصة الواردة والمراسيم بقوانين إنشاء الجهات الحكومية كما ورد في المادتين 37 و38 السابق شرحهما في سياق هذه الدراسة.
5 ـ يلاحظ أن المشرع ينص في معظم القوانين والمراسيم بقوانين في شأن إنشاء الجهات الحكومية بعد صدور المرسوم بالقانون رقم 15 لسنة 1979، على مراعاة المادة 38 منه، ويرى الباحث أن الإشارة إلى تلك المادة في غير محلها، حيث إن هذه المادة تتعلق بمرحلة انتقالية وتخاطب الجهات والمؤسسات المنشأة قبل صدور المرسوم بالقانون المشار إليه في ترتيب أوضاعها المتعلقة بشؤون التوظف والصادرة بها قواعد ولوائح من قبلها، وبالتالي لا يوجد مبرر لتضمينها أي قوانين تصدر بعد صدور المرسوم بالقانون رقم 15 لسنة 1979.
6 ـ إن النص في قوانين إنشاء الهيئات والمؤسسات الحكومية بأن الهيئة أو المؤسسة تضع النظم واللوائح الإدارية التي تنظم أعمالها، فإن ذلك النص لا يعني تلقائيا أن يشمل ذلك نظم ولوائح الشؤون الوظيفية وتحديد المرتبات والأجور، حيث إنه يجب أن ينص القانون على ذلك صراحة كما هو وارد بالعديد من قوانين إنشاء الجهات الحكومية، لأن ذلك يعتبر استثناء من قانون عام والاستثناء يجب أن يرد بنص واضح كما هو الحال عن النص بعدم خضوع الهيئات أو المؤسسات لقانون لجنة المناقصات المركزية على سبيل المثال، كما أن هناك فرقا جوهريا بين اللوائح الإدارية ولوائح شؤون التوظف.
بقلم: بدر مشاري الحماد
نائب رئيس جهاز المراقبين الماليين بالوكالة (سابقاً)
baderalhammad.com
التوصيات
بعد أن دلل الباحث في دراسته حقيقة هيمنة مجلس الخدمة المدنية على كل الجهات الحكومية بما لم يرد به نصا خاصا بقوانين إنشاء الجهات وتنظيمها، وبالتالي وجوب التزام تلك الجهات بأحكام الخدمة المدنية المتعلقة باختصاصات مجلس الخدمة المدنية، وذلك واستنادا إلى الآراء القانونية سواء الصادرة من مجلس الخدمة المدنية بصفته المعني بتفسير أحكام التشريعات المنظمة لشؤون التوظف بالدولة، أو الصادرة عن إدارة الفتوى والتشريع، اختتم الباحث دراسة بعدد من التوصيات وهي على النحو التالي: 1 ـ الدعوة إلى ضرورة قيام مجلس الخدمة المدنية وديوان الخدمة المدنية بتفعيل دورهم الرقابي بشكل أفضل مما هو عليه الآن فيما يتعلق بتصرفات الجهات الحكومية في شأن إقرار لوائح لشؤون التوظف فيها بما لا يتفق مع أحكام القانون، نظرا لما يترتب على تلك التصرفات من زيادة الأعباء المالية على الميزانية العامة في الدولة دون سند قانوني.
2 ـ قيام ديوان الخدمة المدنية بالتنسيق مع مجلس الخدمة المدنية بتطوير نظام مراقبي شؤون التوظف بحيث لا يقتصر تطبيقها على الوزارات والإدارات الحكومية والجهات ذات الميزانيات الملحقة فقط، بل وجوب مد نطاق عملهم لتشمل الهيئات والمؤسسات ذات الميزانيات المستقلة، نظرا لما أسفرت عنه الممارسة بأن جعل تلك الجهات لا تلتزم بأحكام نظام الخدمة المدنية.
3 ـ الدعوة إلى ضرورة قيام إدارة الفتوى والتشريع عند إبداء آرائها القانونية عند استفتائها من قبل الجهات الحكومية، بمراعاة أن يكون تحت بصرها رأي ديوان الخدمة المدنية في الموضوع المطلوب إبداء الرأي فيه، التزاما بأحكام المرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1979 بشأن الخدمة المدنية، والتي تنص على أن مجلس الخدمة المدنية هو الذي يختص بإصدار التفسيرات الملزمة للجهات الحكومية فيما يتعلق بتشريعات الخدمة المدنية.
4 ـ إيلاء إدارة الفتوى والتشريع الاهتمام بتوحيد صياغة النصوص القانونية المتعلقة بشؤون التوظف بقوانين أو مراسيم إنشاء الجهات والمؤسسات الحكومية لتلافي استخدام أكثر من صيغة قد يترتب عليها الاجتهاد في تفسيرها من قبل الجهات المعنية، على أن يكون ذلك بالتنسيق مع ديوان الخدمة المدنية كونه المختص أيضا في هذا الشأن، حيث ضمن اختصاصات مجلس الخدمة إبداء رأيه في مشروعات إنشاء الهيئات والمؤسسات العامة، إلا أن الواقع يعكس غير ذلك، وما يؤكد ذلك الاختلاف في صياغات المواد المعنية بالقانون.