عاما بعد عام، أثبت شهر رمضان أنه وقت للفنانين لاستكشاف حدود المجتمع من خلال الاستخدام المبتكر لمهنتهم، إنه أفضل وقت يلتقي فيه الإبداع والفرصة لاستكشاف أبعاد اجتماعية جديدة وتحفيز الرأي العام، وكذلك الدفاع عن الوضع العام الراهن. على الرغم من أنه كان أكثر وضوحا خلال الشهر المقدس عندما كان الجميع يشاهدونه، إلا أنه ليس بالأمر الجديد بحيث تم استخدام الفنون على مر التاريخ للسخرية والمبالغة أو حتى انتقاد القضايا الاجتماعية والسياسية المطروحة، من الإغريق القدماء إلى وليام شكسبير، فإن الملعب الفني يتمتع بخبرة جيدة في تمويه الإعلانات العامة والآراء داخل سحرهم.
عاما بعد عام، أخذ الفنانون والمؤلفون والمخرجون الشجعان مواهبهم إلى آفاق جديدة أثناء استكشافهم لبعض الأبعاد غير القابلة للتفاوض عادة في مجتمعنا، بما في ذلك توقعات التحيز الجنسي والأدوار الاجتماعية.
هذا النوع من الإستراتيجية يشار إليه باسم nudging أو «التنبيه» في العالم العلمي، ويستخدم عادة لإعادة تكرار التوقعات العامة أو استكشاف مشاعر أصحاب المصلحة فيما يتعلق بقضايا مختلفة أو حتى لتوجيه الجمهور نحو سلوك معين. «التنبيه» هو مفهوم يقدم اقتراحات بشكل غير مباشر للتأثير على سلوك وعملية صنع القرار للمجموعات أو الأفراد. ففي مجال العلوم السلوكية يمكن تصنيف ما شهدناه في الشاشة خلال الموسم الدرامي الرمضاني على أنه شكل ناشئ ومؤثر من أشكال المسؤولية الاجتماعية، حيث إنها في تعريفها خدمة للمجتمع. وكما كتب أحد الباحثين الأكاديميين، أصبح شهر رمضان فرصة لإعادة كتابة التاريخ وإثارة النقاش حول القضايا المثيرة للجدل في وقت تترابط فيه الدولة حول الإفطار، وعلى سبيل المثال غالبا ما يتشابك دورنا المعقد كنساء مع المعتقدات الدينية والتوقعات الاجتماعية والتنظيم السياسي، وكلها على ما يبدو تعرقل تقدم المرأة في المنطقة، وهو موضوع لايزال تتم معالجته ببطء.
حتى أن بعض العلماء يتهمون بعض الدول العربية بأنها مدركة تماما كيفية استخدام الغرب لتحرير المرأة كأساس منطقي لتبرير التدخلات العسكرية، بالتالي إجبارها على ضمان صورة إيجابية للمرأة من أجل إرضاء الغرب المدقق، مما يجعل تمكين المرأة أداة انحراف لتجنب التدقيق والصراع وصورة دولة «متخلفة» بدلا من بذل جهد حقيقي لتعزيز المشاركة المتساوية في المجتمع، إذ يتم الاحتفال بإنتاجيتهم من أجل التغاضي عن العوائق الحقيقية والإدماج الفعال.
ربما نكون بعيدين عن التغييرات الضرورية، لكن مجرد الاعتراف بهذه القضايا في وسائل الإعلام الرئيسية هو خطوة للأمام نحو مستقبل أفضل، لهذا نأمل في يوم من الأيام أن نستيقظ على عالم به قوانين عادلة بغض النظر عن التحيزات الظرفية الأخرى، حيث لا يتمتع الرجال بمزيد من الامتيازات على النساء لأسباب لا تشمل الفطرة السليمة أو الإنصاف.
dr_randa_db@