يقول الحكيم: الحياة خاوية وفارغة في داخلها غير أنها في الوقت عينه تمتلك قدرة لا محدودة لإصدار الألحان العذبة، لكن الأمر كله يتوقف على العازف، لأن الحياة صنيعة الإنسان، فكما يريدها تكون، ان الحياة مجرد فرصة فقط، لكنها فرصة لا تتكرر، ونوع الانشودة التي يريد الانسان ان يغنيها هي قراره الخاص وحده، وتلك هي كرامة الله للإنسان إنه حر في ان ينشد أغاني الجحيم او ينشد أغاني الفردوس، وكل إنسان باستطاعته ان يبدع ألحانا مقدسة، فالأمر كله مجرد تدريب قليل للأصابع، الا أن النتيجة ستكون عظيمة هائلة لأنها البهجة اللامحدودة الأبدية.
ويقول أيضا: كم أتمنى ان اهمس في كل قلب فأحثه على شحذ همته، فالوقت يمر سريعا وينبغي ان نتأكد من ان فرصتنا في الحياة المبهجة لا تتحقق الا بأن تنشد أمنيتك وانشودة حياتك قبل ان يسدل الستار.
انه من الضروري ان نعرف البداية والنهاية ان من يتقدم دون ان يتبين السبب والنتيجة يرتكب الأخطاء والسير وحده لا يكفي، فلا أحد يصل إلى هدفه بمجرد السير فقط فإن اتجاه المسيرة الروحية لابد أيضا ان يكون صائبا، ان في السير والسلوك الروحي امر واحد رئيسي يجب الالتزام به وهو المقصد الأصلي، اما الأمور الأخرى فإنك اذا ما ركزت الجهد على ما هو أساسي فإن هذه الأمور الأخرى ستتكفل بنفسها، وما من سبب يدعو لأن تشغل نفسك بالاعتناء بها بشكل منفصل، اذ هي ليست سوى تجليات للمقصد وتمدد للمركز، ولذا فإن الجهود المبذولة في الهامش فإنها تضييع للوقت.
ان العرفان هو المركز والمقصد اما التواضع فهو الهامش، كما ان العرفان هو البداية والتواضع هو النتيجة والعرفان هو البذرة والتواضع هو الثمرة، غير ان الناس عموما يبدأون من الاتجاه المعاكس فيبدأون من التواضع ويريدون ان يحولوا التواضع الى عرفان، لكن الحقيقة هي ان التواضع لا يمكن ان يزرع، وهذا ليس تواضعا بل هو غطاء زائف يخفي تحته عجزا مخفيا وخداعا محضا. كل ذلك يعتبر ظلمة وجهلا لا ينبغي ان يقمع او ان يختفي بل يجب ان يزال فإن زهور التواضع الصناعية لا يجب ان تلصق لتخفي انعدام الزهور الحقيقية بل يجب ان تزال وتتلف لأنه حينئذ فقط يتحقق التواضع.
ان العرفان ينير ويضيء الحياة والروح وفي سطوع العرفان يختفي الجهل والوهم وتنتهي الكراهية والفتنة.