الحياة في المدن الحديثة وطريقة العيش فيها مرتبطة بالتوتر المتواصل والتلوث الهوائي وقلة النشاط الجسدي وقلة التعرض لإيجابيات الطبيعة الخضراء وسط العيش بين غابات الأسمنت والكونكريت الحرارية، والتي يتضاعف ضررها مع أجوائنا المحلية الحارة، على العكس من العيش وسط المساحات الخضراء مثل الحدائق الكبيرة والملاعب المزروعة بالعشب وتواجد مناطق خضراء وسط البيوت وبينها وتتوسط العمارات.
إن المناطق الخضراء تحسن الصحة النفسية والجسدية وتقلل نسبة الإصابة بالأمراض المزمنة وتخفض أعداد الوفيات، وهذا يحدث مع زيادة فترات الاسترخاء ورفع التوتر وإزالته وزيادة الترابط الاجتماعي والتجمعات بهذه المساحات المفتوحة، حيث تزداد الأنشطة الجسدية الرياضية وتقليل التعرض لملوثات الجو والضوضاء والحرارة العالية، وهذه النقاط ذكرتها بالتفصيل أحد تقارير منظمة الصحة العالمية والتي شددت على أن تقديم بيئة خضراء يفيد جميع الطبقات الشعبية في شكل إيجابي.
لذلك يعد الحفاظ على البيئة من بين أهم الأمور التي تسعى الدول المتحضرة لدعمها وتشريع القوانين الخاصة بها، بعد أن أصبح التلوث آفة العصر وظاهرة منتشرة مع قائمة طويلة من الأضرار والسلبيات التي ذكرناها، يقف التشجير كأحد «أركان المقاومة» إذا صح التعبير وأحد أسلحة الدفاع الموجود لدينا مع أننا قبل الغزو كان لدينا اهتمام وتميز على المستوى الحكومي بما يخص التشجير وزيادة المساحات الخضراء وكانت هناك حملات رسمية بهذا الخصوص ودعوات للمشاركة الشعبية، ولكن للأسف الشديد بعد فترة التحرير قل الاهتمام رغم أن فوائد «استمرار» و«تواصل» التشجير مهمة من نواح عديدة، حيث إن تخضير المدن الحديثة له إيجابيات في تقليل الملوثات والأدخنة السامة وأيضا محاربة القادم المتجدد إلى أجوائنا سنويا وهو «الغبار» والذي لديه تأثيرات «سلبية» وخسائر مادية منها زيادة الضغط على النظام الصحي وتعطيل دوائر العمل الحكومية والخاصة وقد يتسبب في إغلاق المطار والمنافذ الحدودية، وأيضا تعطيل المشاريع البنائية والإنشائية والمنافسات الرياضية، ناهيك عن الخلل في قطاع النقل التجاري والخاص وزيادة حوادث الطرق.
لذلك نحن نشدد على أهمية استمرار تنفيذ مشروع مشترك بين العراق والكويت مدعوم من صندوق التنمية خاص في دعم تشجير مناطق داخل العراق تتسبب في إحداث الغبار الواصل إلينا وهو مشروع ذو تكلفة بسيطة مقارنة في الجوانب الإيجابية والفوائد المترتبة عليه لوقف زحف الرمال والغبار في مناطقنا، حيث إن حركة الواقع تؤكد أن زراعة الأشجار لمكافحة التلوث بكل أصنافه، وزيادة المساحات الخضراء تساهم في خفض درجات الحرارة ومنع زحف التربة وتآكلها ناهيك عن خلق بيئة حيوية للطيور المهاجرة.
نحن في حاجة كـ «دولة» و«مؤسسات مختصة» لتدارس الوضع، مع رسم خطة تطبيقية عملية ذات جداول تنفيذ زمنية غير إنشائية، قابلة للتنفيذ والتشجير كما كان يحدث سابقا الأمر الذي سيؤدي إلى منافع كبرى للإنسان والبيئة.