الموسيقى جزء حي ونابض من حياة الشعوب، بوصلة دقيقة لمعرفة اتجاه المجتمع وحالته النفسية والأطوار الاجتماعية التي يمر بها، وسيلة الإنسان للتعبير عن مشاعره وحاجاته وآماله وآلامه، لغة مشتركة يفهمها جميع البشر، وهي ليست لغة منطوقة فقط وإنما منغمة أيضا، تمنح الإنسان الشعور بالجمال والقوة والأمل.
وسط الألم وعتمة لبنان وانهيار الدولة حوّل أسامة الرحباني مع هبة طوجي، جسر الأحزان إلى جسر الحياة والأمل في عز الألم والأسى واليأس والإحباط إلى «ليلة أمل» رغم أنف المشاريع السياسية التي شكلت لبنان بعد الطائف بحصص طوائفية تجمعهم المصالح بعد أن فرقتهم نفس المصالح إبان الحرب.
لطالما كان هذا البلد واحة للحرية والجمال والثقافة والفنون، استثنائيا متنوعا، حرا، حلوا أخضر، صغيرا بمساحته، كبيرا بانفتاحه على العالم. ذلك المجروح في خاصرة جماله يتمسك بالأمل بولادة جديدة في ظلمة ما يعيشونه كطائر الفينيق يبعث حيا من رماده ويولد من جديد ويشفى من دمعه.
بين البحث عن القوت اليومي أو البحث عن مكان آخر خارج لبنان تنتصر الموسيقى على الحزن والألم ومقاومة الفناء وإمكانية تحقيق التوازن والعدالة، رغم الضيق والعوز وتراكم الأزمات يبقى لبنان منتجا للفرح ومتمسكا بروح بيروت حتى وان سئم الناس للحظة.
أسامة الرحباني هو ابن الراحل منصور الرحباني مؤلف موسيقي وعازف ومنتج لمع اسمه في المسرح الغنائي ساعيا مع إخوته لأن يكون امتدادا لمسرح الأخوين رحباني، سكن الوطن بوجدانه فكانت مشاريعه الموسيقية طوق نجاة وأمل وعزيمة ذات رؤية وأفكار وأطروحات موسيقية، مفعمة بالحب والأمل لوطن مكسور يتمسك بالحياة، متجدد ومتفرد، فكان شريكا للفنانة هبة طوجي هذا الصوت الملائكي في صنع اسمها ونجاحاتها.
لبنان مازال حيا ولن يموت، جسدتها ليلة أمل في انتفاضة ثقافية مقاومة رحبانية لاستعادة لبنان الفن والثقافة، تستنهض اللبنانيين وتستعيد وحدته وتلملم شتاته.
على مسرح «الفوروم دو بيروت» الذي دمر بالكامل وقت انفجار مرفأ بيروت وتم تجديده وإعماره وإعادة افتتاحه من جديد شهدت بيروت أول حدث فني ضخم بعد انفجار 4 آب. قدمت من خلاله هبة عددا من أغنياتها القديمة وجديدها أيضا الوطني والعاطفي وسط تفاعل كبير للجمهور الذي حلق في سما بيروت فغنى ورقص وتأثر ليتوحد مع صوتها العابر للحدود وإحساسها العالي وينتفض على واقعه لتستعيد بيروت روحها وترنم عن أرواح الضحايا، لتتزين الليلة بمشاركة خاصة لعازف الساكسوفون اللبناني العالمي إبراهيم معلوف، ومفاجأة الحفل مشاركة ملكة الإحساس إليسا التي شكلت حالة فنية وإنسانية خاصة بحضورها، في ليلة ممزوجة بالوفاء والإخلاص من الأعماق لتلامس القلوب والأحاسيس، وقد تولت محطة الـ «إم. تي. في» نقل الحدث مباشر على الهوا.
ويبقى الوطن هاجسا إبداعيا متألقا عند صناع هذا الحدث مفعما بالأمل، جمعت بين جمال النغمات ومدينة عريقة عائمة فوق الحزن والجمال ببيوتها التراثية، لتعلن أن حب الحياة سيظل يجري دائما في عروق اللبنانيين وان إرادتهم القوية لن تنكسر والأمل قريب بولادة لبنان من جديد، وستبقى بيروت مدينة للحياة.
عز الكلام:
الموسيقى والفنون تعطي حياة ودافعا للناس أكثر للاستمرارية، لأن الإحباطات المحيطة كثيرة، والإنسان يحتاج إلى حافز وطاقة للاستمرار قدما.
[email protected]
تويتر: Nesaimallewan