عندما تسود حالة من (الشد) بين فريقين تجد أحيانا فريقا ثالثا ينبري للمشهد، ويظهر بصورة عاجلة، وهذا الفريق الثالث عندما يخرج بهذه الصورة هو يحمل في جوفه وطبعه سمات الحكمة والبصيرة، ولا يريد إلا خيرا، فيتدخل بين «المتشادين» وهو يصبو ويتطلع إلى حل ذاك «الشد» حتى يصنع بيئة صالحة يسود معها الوئام الذي يقود إلى المزيد من الاستقرار والإصلاح في المجتمع على جميع الأصعدة، فهو يهدف إلى أن يبقى المجتمع في أبهى صورة وفي أحسن حال ليحقق النجاحات المأمولة.
فهو فريق له أهداف نبيلة، ولكنه - هذا الفريق الثالث - للأسف لا ينجح دائما، بل أحيانا قد تلحق به الأضرار التي لا حصر ولا نهاية لها، فهو كما يقول إخواننا وأهلنا المصريون في أمثالهم الشعبية:
«ما ينوب المخلص إلا تقطيع هدومه!»
وهذا المثل هو وأمثلة كثيرة سمعتها خلال الاحتكاك بالعديد من الفضلاء من مصر الحبيبة - خلال الدراسة -، وهو مثل يؤدي المعنى الذي نتحدث عنه وبه الكثير من الحكمة ويختصر الكثير من الشرح!
فذاك «المخلص» والذي يمثل برأيي «الفريق الثالث» الذي يدعو ويتطلع إلى خلق بيئة مناسبة تقود المجتمعات إلى العلا وإلى الأمام، هو فريق يتألم دائما ويتضرر بصورة متكررة، ولا يحصد إلا الأذى، وما ينوبه من تدخلاته الإصلاحية إلا المشقة والتعب من قبل فريقي «الشد»!.. مع كل أسف!.
فمثله مثل ذاك الذي يتدخل بين متخاصمين في «هوشة» وكل واحد منهما ممسك بالآخر، فهو يتدخل من أجل أن يوقف الخصام ويفض النزاع! ولكنه يعود بالخسران و«بالهدوم المقطعة»!.
فهو «مخلص» مخلص، ويريد أن يكون كل شيء على ما يرام، ولكن آماله تخيب مرة تلو المرة، وهو - أي المخلّص - يعلم أحيانا بأن هناك فريقا من الفريقين به الكثير من الإفساد، ويدرك أن هذا الفريق قد تمادى في إفساده، ولكنه يهدف - أي الفريق المخلص - إلى وقف النزاع قبل الدخول بأي تفاصيل وبأي حلول، لأنه يدرك أن حالة الفوضى لا رباح بها والكل بها خاسر، فهو يجد ويجتهد من أجل نزع فتيل كل أزمة، ولكن هذا الاجتهاد وتلك النية الصالحة في أغلب الأحيان يعودان بلا تحقيق للأمل المنشود!، فيعم قلبه الحزن ويرجع وهو مغمور بحالة من الإحباط، بسبب عدم تجاوب أي طرف لصوته الداعي للحكمة، وأيضا بسبب «تقطيع الهدوم» الذي يصيبه عندما يتدخل لفض حالة «الشد» التي تتولد مرة تلو مرة بين أرجاء المجتمع وأحداثه العاصفة المتكررة!.
ومن هنا نقول: على الفريقين المتشادين أن يكفا عن هذا النزاع، وعلى ذاك الفريق الذي يرى بأنه يحمل «النفس الصالح» أن يتراجع عن الدخول في نزاعات فاقدة للكياسة والحكمة ولا منفعة من ورائها، فاستمرار حالة الإرباك لا تفيد إلا الطرف الفاسد، وأيضا على ذاك الفريق الثالث - المخلص - أن يستمر بهذا الأسلوب الرفيع الذي يتعامل به، وأن يقف داعيا للخير وناصحا للكل مهما كان سيل الأضرار الذي يصيبه، ومهما كان مشهد «تقطيع الهدوم» الذي قد يطوله، فكل عمل صالح مأجور صاحبه، وبالختام نسأل الله شيوع السلام، ولكم مني المحبة والسلام.
hanialnbhan@