كنت بين المعزين بتاريخ ٢٤/٥/٢٠٢٢ بوفاة شيخنا وشيخ منبر الدفاع عن الأقصى، فضيلة الشيخ أحمد القطان، ولفت نظري تلك الأعداد الكبيرة التي غطت أرض مقابر الصليبخات، وعجت السيارات، فلم تستطيع أن تجد مكانا توقف سيارتك به، كما لفت نظري الجنسيات المختلفة سواء من الدول العربية أو الإسلامية، كلهم جاءوا وفاء ووداعا لفارس المنابر، وانهالت عليَّ الرسائل من جميع العالم تعزيني، وتعزي أهل الكويت بفقيد الأمة ومزلزل الطغاة في عالم الظلم والظالمين.
وكنت في لحظتها أتساءل هل ستبكي عليك يا شيخنا المنابر والمساجد والسماء التي كان صوتك يرتفع اليها مبتهلا لربها، وشاكيا له ظلم الظالمين؟
وإذا بالآية من سورة الدخان تتماثل أمامي، بقوله تعالى عن آل فرعون بعد أن أغرقهم الله (فما بكت عليهم السماء والأرض وما كانوا منظرين) (الدخان: 29).
ويستخلص منها المفسرون بأن الأرض والسماء تبكيان عند موت الصالحين، ففي كل بقعة أرض كان يعبد الله فيها، ويدافع عن دينه، ويأمر بالمعروف وينهى عن المنكر تبكي، وفي كل بقعة كان يخطب فيها تبكي، وفي كل بقعة كان يلقي فيها درسا تبكي، وفي كل بقعة كان يدافع فيها عن مظلوم تبكي، وفي كل بقعة كان يذكّر الناس فيها أوامر الله تبكي، نعم لم تبكِك الكويت فحسب، بل بكاك العالم الإسلامي كله، لأنك كنت تدافع عن قضاياه، وبكتك الأرض والسماء، لأنك لم تركت بصمة بل بصمات.
وإذا كان القبول في الأرض غيبا، فإنا رأينا آثاره في الأرض، ورأينا المحبة لك من الجميع، ورثاؤك من الجميع في جميع وسائل الاتصال، وهذا أقل من القليل في حقك.
فكم تركت من البصمات، ستذكرنا بك بعد رحيلك، ومن بصماتك التي سيتذكرها الناس خطبتك في بداية الثمانينيات في مذبحة حماة، (تباً جدار الصامتين) تلك القصيدة التي أبكت الملايين حيث تقول في بعض أبياتها:
وأختنا بلا شراب
ولا غطاء ولا طعام ولا هواء
من عينها سلبوا الضياء
يا أختنا لمن النداء
نحن جدار الصامتين
ومن بصماتك عندما غزى الطغاة أرض الكويت، فخطبت في الجزائر بما يقارب تسعين ألفا، كانوا مؤيدين لصدام، وإذا بك تحولهم لمؤيدين لحق الكويت المظلومة، وجعلتهم يبكون ويكبرون..
ومن بصماتك، الدفاع المستمر عن أهل فلسطين والظلم الواقع عليهم، خطبك الكثيرة في نصرتهم، فأنت الذي استحدثت صيحة المجاهدين (بالنباطة والمقلاع حطم بني قينقاع).
(خيبر خيبر يا يهود.. جيش محمد سوف يعود).
فوجدت صداها في ربوع فلسطين، وأزمة القدس، وشوارع غزة، وتركت بصمة عندما رغبت النساء في الحجاب، فاستجابت آلاف النساء في الكويت وتحجبت، وتركت بصمة في نشر المحبة.
فكنت تبدأ كل درس ومحاضرة، وتقول للحاضرين: (إني أحبكم في الله) فعرفت كيف تدخل القلوب عن طريق الحب، وتركت بصمة بنشر مدرسة جديدة في الخطابة استلهمتها من شيوخ وفرسان الخطابة، وكان على رأسهم آنذاك شيخك (حسن أيوب) رحمه الله.
فمما تخاف وتحزن وقد تركت كل هذه البصمات، ولا نقول إلا (إنا لله وإنا إليه راجعون)، إن القلب ليحزن وإن العين لتدمع ولا نقول إلا ما يرضي ربنا، وإنا لفراقك يا أبا عبدالله لمحزونون، أخوك وتلميذك ورفيق دربك.