عندما يكون الحديث حول شخصية ذات منابع ثقافية متعددة وأصول معرفية متنوعة، كشخصية السفير الكويتي لدى منظمة جامعة الدول العربية سعادة السفير عبدالله سرور الجرمان، أو كما يحب أن يكنى (أبو نواف) صاحب البصمات الواضحة في مد جسور التعاون والتآخي والتعاضد والتلاحم في العلاقات العربية - العربية، فإن مثل هذا الحديث يحتاج إلى التمحيص والتحليل والبحث ودراسة العناصر الحقيقية التي تكونت منها هذه الشخصية الفذة، أقول فذة لأسباب عدة منها: التعامل بمسطرة واحدة مع الجميع، سواء في العمل بوجه العموم، أو في مكتبه على الأخص، أو في ديوانه (مدهال بن جرمان).
يقول الشاعر:
بيوتنا مدهال للضيف والجار
وصدورنا.. بيبانها حاتميه!!
إذن يجب علينا توضيح معنى كلمة (مدهال)، وما هو الفرق بينها وبين كلمة (ديوان)، فكما هو معروف من تصاميم بيوت العرب حيث يكون الديوان جزءا أساسيا عند الجميع، لا يخلو منزل من هذا المسمى الذي يستقبلون فيه معارفهم من الضيوف، المقصود أن الديوان هو لدى الجميع بمختلف مشاربهم، لكن عندما نطلق كلمة «مدهال» فهذا الأمر يختلف تماما، فالمدهال مكان يرمز للجود والكرم لأنه مكان متطرف عن السكن العائلي، وهو مؤسس لاستقبال المارة سواء كان بسابق معرفة أم كان دون ذلك، وهذا تماما وصف (مدهال بن جرمان) في العاصمة المصرية القاهرة، فقد استأجر السفير الفذ دورا في أحد الفنادق الفاخرة وجعله (مدهال) للرجال أيا كان هؤلاء الرجال.
يقول الأمير محمد السديري:
لعل قصر ما يجيله اظلالي
ينهد من عالي مبانيه للساس
لا صار ما هو مدهل للرجالي
وملجأ لمن هو يشكي الظيم والباس
وهذا توضيح آخر لكلمة مدهال، أي يدهل الرجال في أي وقت كان، أما حرف الميم المضاف فهو يرمز للمكان، هنا نقف إجلالا واحتراما للسفير صاحب المدهال، الذي يرحب بصدره قبل أن ينطق لسانه، فعندما تدخل عليه تستقبلك الابتسامة العفوية التي لا يتحلى بها إلا أصحاب (مداهيل الضيوف).
يقول الشاعر:
عليك باللي مجلسه دوم مدهال
للضيف وافي ما يحسب الخسارة
ولا الردي يفطن على فقده ريال
داني عسى يخلف علينا مساره
لقد عرف سفيرنا الفذ بالوعي القومي الداعم لأمتنا العربية في كافة الجوانب والمجالات السياسية والاجتماعية والتربوية والاقتصادية، بالإضافة لكونه رجل اقتصاد ومتمرسا، فقد ضبط الهدر المالي وقنن المصروفات وجنى ثمار ذلك وفقا لخطة القيادة السياسية العليا، ونحن كدولة صغيرة وشعب قليل ولدينا وفرة مالية عالية جدا لابد أن يكون لنا في كل دولة (مدهال)، ولابد أن نطبق نظرية التفكيك البنائي للشخصية لستيفن كوفي لنعرف أثر التنشئة الاجتماعية على شخصية الفرد، وما ينعكس عليه من صفات تبعا للمناخ الاجتماعي الذي يعيشه، فالثقة والترابط والحرية لابد أن تسهم في بناء الشخصية المتمسكة بالأخلاق الحميدة.
وتجدر الإشارة إلى تميز وزارة الخارجية في اختيار وبناء الشخصية الديبلوماسية الكويتية بحسها القومي ووعيها الثقافي، وما تتميز به من رؤية استشرافية، فجميع سفرائنا يتمتعون بجملة هذه الصفات الإيجابية والأخلاق الحميدة، ومنهم على سبيل المثال لا الحصر(جمال النصافي، عزيز الديحاني، علي الظفيري)، بالإضافة لسفيرنا (صاحب المدهال) الذي يتميز بالصفات الإيجابية والأخلاق الأصيلة وبانتمائه وولائه للكويت وشعبها وحكامها، علاوة على ما عرف عنه من التعقل والحكمة والعدالة وإنتاج الأفكار الإبداعية من خلال البرامج والخطط الهادفة والتذكير الإداري الرافض للجمود الذهني، ناهيك عن القدرة الديبلوماسية بالاتصال والتواصل مع جميع المكونات البشرية، ما جعله محط أنظار أصحاب القرار في دولتنا الحبيبة الكويت ليقع عليه الاختيار ليكون سفيرا للكويت لدى منظمة جامعة الدول العربية (عشت يا أبا نواف).