يقال: صاحب النية الطيبة يغلب صاحب الحيلة، أي اعلم أنه لم يتميز الآدمي بالعقل إلا ليعمل بمقتضاه، فاستحضر عقلك، واعمل فكرك، واخل بنفسك، وتعلم بالدليل أنك مخلوق مكلف، لذلك اعلم أيضا أنه مهما وصلت إليه من وقاحة وبجاحة وسوء، تأكد أن أصحاب النية الطيبة ليسوا بعاجزين عنك ولا عن بجاحتك وسوئك، ولا حتى عن سوء ردودك وكلامك الخالي من احترام مشاعرهم، لكنهم وبسبب تشبعهم من أمثالك وتصرفاتهم، ايقنوا بأن الردود والنقاشات على نفس تلك الأمور عقيمة، ليست ذات قيمة، فلا تستغرب حينها إن وجدتهم صاروا بقدر المستطاع قليلي التحدث معك، يتصددون عنك، ذلك كونك لا تتحدث معهم بما ترتاح له نفوسهم.
فإن اعتقدت آنذاك بأنك غلبتهم بسبب قلة تهذيبك وقد همشتهم بردودك الوقحة عليهم، فتأكد قبلها انك انت أساسا أصبحت شخصا لا تعني شيئا بالنسبة لهم، لذلك لن ولم يتأثروا بتصرفاتك تجاههم ولن تجدهم، حتى، يعاتبونك مهما حاولت استفزازهم، بل ستجدهم يعاملونك وكأنهم لم يسمعوك! فالذي يحاول من خلال كلامه وردوده أن يقلل من شأن وأهمية غيره، يفترض ألا يحصل علي أي اهتمام، لأن كلامه بالتأكيد نابع من مشاعر حقد وكراهية ودونية ولا تستحق إلا التجاهل.
لذلك ثق بأنهم سيتجاهلونك أيضا وبردودهم الباردة الصادمة والتي لم تعتدها انت منهم سيجازونك، ذلك ولأنه لم يعد هناك شيء يصدمهم أو حتى يستحق ردة فعل منهم، فأصبحت راحة بالهم أهم، هذا وبخلاف انهم لا يجيدون السباحة في الوحل! مثلك مثل غيرك!
لذلك تأكد بأنهم ليسوا بأغبياء ويعون ما ترمي إليه من خلال كلامك المبطن، ولكن تذكر أن في مواقع القدرة والقوة، على الإنسان أن يكون أكثر سيطرة على لسانه، وتحكما في حديثه وكلامه واختيار ردوده وانتقاء مفرداته، وهذا ما انت تجهله! كما أنني أعتقد أن لكل عاقل مختار قصد معين وراء أقواله وأفعاله وتصرفاته وكل ما يصدر منه، وقد يكون ظاهرا للعيان في تصرفات جوارحنا أو خفيا عنهم لضموره في سرائرنا، وهذا الأمر بالذات مسؤول فعليا عما نلقاه في حياتنا من خير وشر، فكما أن لجوارحنا الظاهرة أعمالا، فكذلك لدواخلنا أعمال، أهمها النية.
فصاحب النية الصافية هو صاحب الأثر الرائع للتربية القائمة على الكثير من الفضائل، كهامة يعتبر هو لترجمة الكلام المهذب والتصرفات اللائقة بلا لف ودوران، بعيدا عن استخدام طرق التحايل الملتوية الملوثة الخبيثة، المشبعة بالكلام المبطن المسيء الجارح ذي الأبعاد الكبيرة في نفوس الغير.
كما أنه أيضا ذلك الشخص الذي يعتقده البعض ضعيفا وساذجا وعلى شفا جرف البلادة، أو كاد أن يكون مغفلا غبيا للأسف!
والبشر منهم الطيب ومنهم السيئ، الحسود الخبيث، فالطيب يعيش في هذه الحياة بمنطق: عامل الناس جميعا بالصدق قلبا وقالبا، سواء كانوا من الذين يستحقون تلك المعاملة أو لا! بعكس من يظهرون عكس ما تخفيه نواياهم، الذين يتصنعون الجانب الإيجابي، لكنهم يبطنون نقيض ذلك حيث إنهم لا يتوانون ولو للحظة حين تتاح لهم الفرصة لطعن غيرهم بكل قوة، وإهانتهم وجرحهم بكل كلمة يتفوهون بها، دون أدنى مراعاة لمشاعرهم، بخلاف انهم يحملون في قلوبهم غلا وحقدا لا لشيء! سوى أن جوهرهم الخبيث يأبى التعايش مع نقاء صاحب النية الصافية.
فتجاهل تلك الفئة في حياتك دون أن تخجل، ولا تعط اهتماما لمن لا يستحق، واهجر كل ما يؤذيك ويجرح مشاعرك، وتجنب تلك التفاهات والحماقات المقصودة واعتزل أصحابها.