من يتأمل الدنيا بعين بصيرة يجد بها الكثير من الغرائب وكلها من صنع أيدينا ولا فخر، وهي كثيرة ومتنوعة لا يستطيع أحد حصرها، ومن هذه العجائب الحديث عن الأموات، فما أن يموت رجل مشهور حتى تنسج حوله قصص وحكايات من الخيال، ويصورونها لنا وكأنها حقيقة وما هي إلا أوهام في عقول مريضة لا تبالي ما تقول، ولعل من أغربها الحديث عما وجدوه في قبر هذا الرجل المشهور بعد دفنه وهم في الأساس لم يحضروا جنازة المرحوم ولا يعرفونه ولا يعرفهم، ولم يروه في حياتهم مرة واحدة، والحقيقة أن كل ما يقولونه كذب صراح وافتراء وكلام بالفاضي والمليان، كيف تتحدثون عمن لا تعرفون! وأين حرمة الأموات؟ ومن سمح لكم بذلك؟ يريدون أن يلفتوا الأنظار إليهم بأي وسيلة، حتى لو تحدثوا عن الأموات، ومن خزعبلاتهم فلان دفن حيا وفلانة رفضت دخول القبر، وفلان وجدت أفعى ضخمة على شفير قبرهو وهلم جرا من هذه الأكاذيب التي لا تقنع أحدا ولا يصدقها حتى الطفل الصغير. إن انتهاك حرمة الأموات إيذاء للأحياء وأمر عظيم للغاية، مع العلم أن ديننا الحنيف حرص على تكريم الإنسان حيا وميتا، وفي ذلك يقول المولى عز وجل (ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلا) «الإسراء: 70»، فتكريم الإنسان والترحم عليه واجب حتمي، إن هذه الظاهرة بغيضة مقيتة لا يقبل بها كل عاقل، والأدهى من كل ما ذكرت لكم نشر غسيل الأموات وفضحهم وهم في قبورهم، وهذا أمر منهي عنه أشد النهي، فحتى إن كان ما يذكرونه شبه صحيح أو قريبا من ذلك لا يجوز هذا الأمر بتاتا، لقد ستر الله عليهم في الحياة الدنيا وانتم يا عباد الله تريدون فضحهم بعد موتهم، إن حسابهم على الله إن كان ما قلتموه صحيحا وكل نفس بما كسبت رهينة، فما شأنكم أنتم؟ وقد قال النبي صلى الله عليه وسلم: «لا تسبوا الأموات فإنهم أفضوا إلى ما قدموا» صحيح البخاري.
فما شأني وشأنك إن كان متزوجا في السر أو العلن وماشأني وشأنك إن مات ثريا موسرا أو مات على الحديدة؟ وهل يرضى أحد على نفسه أن يتحدث الناس في أدق تفاصيل حياته؟
وبالأمس القريب توفي الفنان سمير صبري، رحمه الله، فانظروا إلى الكم الهائل من الأخبار المزيفة التي حيكت حوله وقلة قليلة من الناس الذين تحدثوا عنه يعرفونه، وقد عرفت هذا الفنان المتميز وجلست معه وحادثته فرأيت فيه صورة مشرفة للفنان المصري جمع بين عدة مواهب ونجح في كل موهبة على حدة، وهو على خلق فاضل جمع بين الفن والإنسانية وكانت له مواقفه الطيبة من الفنانين والفنانات ولم تكن له عداوة مع أحد طيلة عمره بل كان يحب الجميع ويحترم الجميع ومع كل ذلك لم يسلم من هؤلاء فنسجوا حوله قصصا عجيبة وفي النهاية لا يصح إلا الصحيح، وصدق القائل «كلام بالفاضي والمليان». ودمتم سالمين.