ماذا لو قلت لكم إن الغيبوبة قد تصيبكم وأنتم بكامل وعيكم، وتستمر لأعوام طويلة. لا يشترط تمددك على فراش أبيض، وغرفة باردة مطلية باللون الأخضر أو الأزرق السماوي، وأغطية أسرّة وثياب أبيض معقمة تطوف من حولك.
لا يشترط وجود كراسي جلدية وأحيانا بلاستيكية يتيمة لصيقة إلى فراشك المعدني، يجلس عليها من يزورك لدقائق أو ساعات، ينظر إليك بنظرة مليئة بالحزن والتعاطف، وأحيانا لا ينظر إليك البتة، بل ينظر إلى هاتفه، يقضي دقائق الزيارة، مدفوعا ومغصوبا، بهدف تأدية الواجب الذي لم يعد له وجود أو احترام في وقتنا هذا.
غيبوبة لا تشترط شيئا سوى غياب الحقيقة عنك، غياب الواقع، التي يظهر في وقت لا تعلمه أنت بل يعلمه الله الواحد الأحد. كما أن الغيبوبة يفيق صاحبها دون سبب ومن دون تفسير علمي أو طبي واضح، تظهر الحقيقة فجأة لتصدمك وتقلب موازينك وحساباتك.
غيبوبة تفيق منها أنت ويموت كل من هم أمامك ومن حولك، تلفظ البشرية آخر أنفاسها، لأن هذه الحقيقة أعدمت كل معنى للإنسانية، وجعلت الثقة أرضا هشة، زلقة، غير آمنة كي تعبر من فوقها أو خلالها لتصل إلى البر المقابل.
بالرغم من كل ذلك، إلا أنني أحببت غرفتي الباردة تلك وأغطيتي البيضاء ورائحة المعقمات المنتشرة في الأرجاء، أحببتها جميعا، لأن العشرة شيء مقدس ولا يقدّر بثمن، حتى وإن كان الثمن هو الحقيقة المرة.