أحب الأشياء إلى نفسي هو الكتاب. وهو عندي أجمل الهدايا، ولذا فإنني أكون سعيدا حين أتلقى هدية من هذا النوع فأقبل عليها متصفحا ثم قارئا متمتعا بما أجده في ثناياها من فوائد.
ولكن هذه الهدية إذا جاءت من صديق عزيز، قام بأعمال رائعة، وكنت أتمنى أن لو قرأت له شيئا عن مسيرته خلال عمله واطلعت على أخبار تلك الأيام التي عاشها، فإن سعادتي بالهدية تكون أكبر، ويكون للكتاب عندي رونق خاص لأنني كنت في انتظاره متوقعا أن يكون بين يدي في يوم ما، فأنا أعرف أن صاحبي لا يمكن أن يحرمنا من العلم بكل تلك الأمور التي عركها وخاض غمارها في سبيل الوطن، ومن أجل إعلاء شأنه بين الدول.
هذا الأخ العزيز الذي تكرم علي بآخر هدية وصلتني هو سعــادة السفير محمـد عبـدالله أبو الحسن المستشار في الديوان الأميري. وكانت هديته التي سرتني أولا وأمتعتني ثانيا هي كتابه القيم: «حقائق وخفايا ذكرياتي» هذا الكتاب الذي أقبلت عليه بلهفة شديدة لسببين، أولهما وروده من شخص عزيز على نفسي، وثانيهما أنه يتناول خفايا فترة من حياة وطني وكنت أنا في أشد الحاجة إلى معرفة كل شيء عما جرى خلالها.
وقد حصلت على ما أريده من خلال قراءتي له.
الكتاب أنيق في شكله، غني في معلوماته يراه القارئ متدفقا في عرضها مع إضافة الصور التي تكاد أن تنطق بكل ما هو موضع الحديث، ولقد بلغ حرص الكاتب على تقديم كل ما لديه من حقائق حدا وصل بكتابه إلى عدد يكاد يلامس الخمسمائة صفحة، وهذا جهد كبير يذكر له.
ولا أظن أحدا يرغب في معرفة شيء من سيرته الذاتية، فهو علم في رأسه نار، كما قال الشاعر القديم، ولكني أنقل عنه هذه العبارات التي تغني عن أي بيان من هذا النوع:
«محمد عبدالله أبو الحسن، مستشار في الديوان الأميري، ووزير الإعلام السابق، ومندوب دائم للكويت لدى الأمم المتحدة في نيويورك لمدة اثنين وعشرين عاما، ترأس خلالها مجلس أمناء المركز الإسلامي الذي شيد خلال رئاسته وهو أكبر مركز إسلامي في نيويورك، وهو يضم مسجدا ومدرسة. ومثل الكويت في العديد من المؤتمرات الدولية. كما عمل قبل ذلك سفيرا في عدة دول».
هذه ومضات سريعة ولكنها دالة على مكانة الرجل ومقدرته العملية ودأبه في خدمة وطنه وخدمة دينه.
***
وقرأت الكتاب باللهفة التي استقبلته بها حين وصلني، فإذا هو كنز من المعلومات، ومن الإجابات على أسئلة كثيرة كانت تدور في الأذهان عن فترة مـــن فتــــرات كفــــاح أبناء الكويت في سبيل استقلال الوطن، وإبعاد المعتديـــن عليه، وكان كفاحا مريرا استغرق زمنا طويلا هو الذي قــــام به الأخ الكريـــم أبو مهند منـــذ وضـــع قدميه في طريق السلك الديبلوماسي إلى أن مر بتلك التجارب العظيمة التي شهدناها، وشهد لها شعب الكويت كله. فأثبت أخي الأستاذ سليمان ماجد الشاهين شهادته في تقديم الكتاب، وقد قال عن المؤلف وكتابه ما زاد إعجابي بالأخوين العزيزين مؤلف الكتاب، وكاتب مقدمته.
ثم يأتي التمهيد الذي انجلى به كل ما نريد أن نعرفه عن الأعمال التي قام بها المؤلف في دنيا الديبلوماسية وفي مقر الأمم المتحدة بوجه خاص - وقد قرأته وكأنني أشاهد شريطا سينمائيا - في سنة 1965م حين التحق صاحبي بالسلك الديبلوماسي إلى أن يختمه ببيان طبيعة ما سطر في كتابه وبيان اعتزازه بإخوانه الذين عملوا معه وحرصه على أن يقول أن كل ما كتب إنما هو منقول من تجارب فعلية مر بها أو من مراجع مذكورة في آخر الكتاب.
ثم يستمر المؤلف في سرد تجربته الحية في أربعة أقسام من الكتاب كان أولها متعلقا بقبول الكويت عضوا في الأمم المتحدة في سنة 1963م وما جرى في هذا الشأن.
وكان الثاني عن الحرب العراقية الإيرانية وما عانته الكويت خلالها.
أما القسم الثالث وهو أطول الأقسام وأكثرها اتساعا، إذ احتوى على ما يقرب من خمس وثمانين ومائتي صفحة من الكتاب، وكان موضوعه هو الغزو العراقي للكويت، وهذا القسم يضم كل ما دار في الأمم المتحدة حول الغزو الغاشم، ويبين نشاط الوفد الكويتي بقيادة هذا الرجل المخلص الذي قاد فريقا متجانسا خاض حربا ديبلوماسية أعجزت الخصوم. فكانت ملحمة إنسانية عظيمة جلبت النصر للكويت وطردت أعداءها المحتلين الغادرين.
ولا أريد أن أفيض في هذا الموضوع فإن ذلك يشبه أخذ قطرات الماء من بحر زاخر.
وكان القسم الرابع من الكتاب خاصا بمناقشة قضية العدوان على الكويت في الجمعية العامة للأمم المتحدة، وفيه بيان الجهد الكبير الذي بذل آنذاك وفيه معرفة العدو من الصديق والمدافع عن الحق من المتخاذل. كما نرى فيه اهتمام القيادة الكويتية وعلى رأسها أمير البلاد في ذلك الوقت الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح، رحمه الله، الذي زار مقر الأمم المتحدة عدة مرات كانت الثالثة منها هي التي قام بها في سنة 1991م لتقديم الشكر لهذه الهيئة الكبرى لما صنعته في حملة تحرير الكويت من الغزاة.
ولم ينس أبو مهند أن يسرد كافة القرارات التي أصدرتها الأمم المتحدة، وكانت قضية الكويت محورها.
وأخيرا فإنه لم ينس أن يسجل أسماء أعوانه من أبناء الكويت الذين شاركوه في تلك الحرب الديبلوماسية الطاحنة التي تكللت بانتصار الحق على الباطل.
***
وختاما فإن القلم ليعجز عن وصف التفصيلات التي وردت في هذه المذكرات التي قل أن نجد مثلها فيما كتب من قبل، وقل أن نجد في موضع آخر مثل هذه الصور الناطقة التي أتحفنا بها، وهي غير مستغربة من واحد شديد الإخلاص لوطنه، متمكن علما وعملا. ولذا فقد جاءت على المستوى العالي الذي رأيناه، فالشكر الجزيل لأبي مهند على ما بذل في السابق وما كتبه في الحاضر، مع الدعــــاء له بمزيد السلامة والتوفيـــق.
وقد بقي أن أنوه بأن من الضروري لكل مواطن كويتي أن يقرأ هذا الكتاب لما فيه من دلالة على الجهود التي بذلها أبناء الكويت في سبيل وطنهم.