لفت انتباهي خبر لعالم النفس الكندي «جوردان بيترسون» بأنه ابتعد عن وسائل التواصل الاجتماعي حفاظا على صحته النفسية، وأنه جعل فريق عمله يحجب كلمة السر لحسابه في «تويتر» عنه، وشعر براحة بعد مرور 3 أسابيع من الانقطاع. وقد ذكرني هذا الخبر بعدة أصدقاء قرروا الابتعاد عن وسائل التواصل الاجتماعي بسبب السلبية المنتشرة وتداول الإشاعات والتنمر على الآخرين.
لا تقتصر هذه الظاهرة على الكويت مثلما اعتقدت، بل أصبحت ظاهرة عالمية يعاني منها الكثير من مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي. فهناك دراسات تشير إلى أن العديد أصيبوا باكتئاب بسبب التنمر المستمر عليهم وأيضا أصبحت مليئة بالتشاؤم والسلبية الذي يشعرك أن العالم سيتهالك في ساعات بسيطة.
كما يقارن المستخدمين حياتهم بحياة الآخرين في وسائل التواصل الاجتماعي عبر ما يتم وضعه من صور وفيديوهات تظهرهم كناجحين وسعداء، مما يجعل بالمقابل المستخدم يتساءل إن كان سعيدا حقا. والمؤثرون اليوم يتباهون بأموالهم وممتلكاتهم وثرائهم السريع المشكوك به، مما يربط مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي السعادة بالحصول على المزيد من الكماليات والأموال فقط، وفي حال عدم قدرتهم على ذلك يصيبهم الإحباط والإحساس بالخيبة. وحتى صغار السن تأثروا وأصبحت أحلامهم بأن يصبحوا «مؤثرين» وان التحصيل العلمي لم يعد مهما اليوم لأنهم يعتقدون أن كسب الأموال يتم بسهولة عبر الإنترنت وهو أمر غير صحيح.
التشتت وقلة التركيز أيضا أحد صفات مستخدمي وسائل التواصل الاجتماعي بكثرة مما أثر على دراستهم وأيضا على إنتاجيتهم في العمل.
فلم يعد يستطيع الإنسان اليوم الانتباه إلى محاضرة طويلة أو قراءة كتاب من 300 صفحة أو التركيز على استكمال عمل واحد، بل يمارس تكديس محتوى الصور والفيديوهات القصيرة واحدة تلو الأخرى ويحشو الإنسان عقله بمحتويات قد تكون غالبها عديمة الفائدة مما أثرت بمدى قدرته على التركيز.
لا ننكر أن وسائل التواصل الاجتماعي لها فوائدها مثل القدرة على البيع الإلكتروني والتغيير الاجتماعي والتواصل البناء وغيرها من أمور إيجابية، إلا أنها أيضا انحرفت عن أهدافها وسببت آثارا سيئة. قد تكون هذه الوسائل مصممة بحيث تتغير حسب ديناميكية المستخدمين وتتشكل ثقافة مختلفة بين الحين والآخر، إلا أن ما وصلت إليه اليوم يستدعي أن يتم إعادة تقييمها وهندستها لكي تستهدف السلوك البشري وتحسنه.
SaqerG@