النفوس التي تعيش معنا، ونعيش معها، إما أن تشهد لنا، وإما أن تشهد علينا، فهي سلاح ذو حدين، ونحن مطالبون بأن نصون هذه النفس من كل مواطن الإساءة، وأن نضعها حيث يكون عزها وسموها ورفعتها، فنحن مؤتمنون عليها.
وأنا على مستواي الشخصي المتواضع، أعيش حالة من المواجهة مع هذه النفس، حتى لا تجرني إلى ما لا يُحمد، وما لا يرضي الله، فكما تعلمون أن هناك نفوسا أمارة بالخير، وأخرى أمارة بالسوء، وكلنا علينا الذود عن نفوسنا، حتى نكون سالمين من كل أذى، وأيضا نحن مطالبون بأن نسمو بأنفسنا، ونضعها حيث تكون الكرامة والعزة والشموخ.
وعلى كل واحد منا، ألا يستصغر نفسه، ويظن أنه أقل من الآخرين، فكل النفوس قد خلقها الله كريمة وكبيرة وسامية وعظيمة، ولكن البعض يجنح إلى الهوان والذل والخنوع، ويمزق عزة نفسه الفطرية وكرامتها المتأصلة !، حتى بات بين الناس لا يعرف إلا بالمهانة والهوان، وهناك طرف آخر حفظ قدر نفسه، وصانها من كل دروب الهوان، رغم قسوة الحياة، وسطوة البشر!
وأذكر ذات يوم سألني أحدهم، أين أنت يا هاني، لم نرك في ذاك المكان، وفي تلك المناسبة، وفي ذاك الحدث، والكل يسألني عنك ويقول أين هاني؟! فقلت له شكرا لسؤالك، وشكرا لمن سألك عني، ولكنني أيها «الرجل المحترم» قد عاهدت نفسي أن أجنبها كل ما يؤذيها، فهي نفس عزيزة وكريمة وشامخة، ولا ترتاح إلا في مواطن العزة والشموخ، هكذا هي نفسي، وتلك المواطن التي قد غبت عنها، قد رأت نفسي العزيزة وجوب الغياب عنها، فهي نفس لا تعرف التلون والمجاملة، وبها حدة شديدة حين ترى (اختلاط الحابل بالنابل)، لذلك تتجنب الطقس غير المناسب حتى تعود الأجواء طبيعية، وبنفس الوقت هي نفس لا تعرف الانزواء والاستسلام للواقع «المعوج» لذلك ستشارك بإعادة تلك الأجواء لطبيعتها، حتى وإن كانت بعيدة عنها بعض الشيء من الناحية المكانية، فهي تمارس الدور الإصلاحي في الجو الأصلح لنمو بذور الإصلاح، وقلت بعدها هذه الأبيات الشعبية:
يسألونك يا رجل: ما شفت هاني؟
غايب ما بان من وقت قديم
قلهم موجود يا ذرب اليماني
ما يغيب، وما يحيد، وما يهيم
من سأل عني ترى بين مكاني
فوق ذاك الضلع أنا الحر الشكيم
ما تزعزع ثابت عبر الزماني
رافع نفسي عن الدرب السقيم
النجم يسراي والغيمة يماني
والقمم داري وأنا فيها مقيم
ما تلون بالكلام وبالمعاني
وارفع المذموم واطعن بالكريم
اعطي الطيب حقوقه بامتناني
واللئيم بناظري يبقى لئيم
من تجاهلني ولا كنه يراني
اشطبه من داخلي لو هو زعيم
لو يمر احذاي ما شوفه تراني
من حقر يحقر، ولو انه عظيم
من حفظ قدري وبالمعروف جاني
له مكان عالي، حيثه حشيم
ومع بني «دمي» أنا عون وعناني
دامهم يمشون بالدرب السليم
من مشى باللف ودروب الطماني
ظالم للناس وبحقه ظليم
وعهد بنفسي قطعته من زماني
ما تغير عنه لو عشت بجحيم
شامخ أبقى، صبور لو أعاني
ما أنزل راس للراس الذميم
مستعن بالله، نعم المستعاني
هو إله الكون والرب الرحيم
hanialnbhan@