تؤدي وسائل الإعلام دورا محوريا في حياة الفرد والأسرة والمجتمع، كما تسهم في بناء الحضارات، وتقوم بدور أساسي في عملية التنشئة الاجتماعية وتشكيل الرأي العام، وبذلك يصبح الإعلام مرتبطا ارتبطا وثيقا بالتنمية، يدعم كل منهما الآخر ويطوره، فلا تنمية دون إعلام ولا إعلام دون تنمية، وقد اكتسب الإعلام أهميته القصوى في عملية التنمية من خلال كونه أبرز الأدوات التي تستطيع أن تعكس الصراع الأيديولوجي والسياسي بين التيارات الفكرية والقوى السياسية المختلفة، ولعل هذا الارتباط يجعلنا نتساءل عن ماهية الإعلام التنموي وأهميته، وعن حاجة الدول النامية لهذا النوع من الإعلام لترتقي إلى مصاف الدول المتقدمة وتواكب التقدم المستمر في جميع مجالات الحياة.
والإعلام التنموي هو المنظومة الإعلامية المتخصصة في معالجة قضايا وإشكاليات التنمية، ويعمل على إحداث التحول الاجتماعي بهدف التطوير والتحديث وتحويل مجتمع ما من حالة تأخر حضاري إلى حالة ديناميكية من النمو الاقتصادي والاجتماعي والسياسي، ويهتم بتحقيق الأهداف الأساسية للمجتمع، وهو مصمم ليكون جزءا من خطة التنمية وعاملا جوهريا لإحداث تغير تنموي في المجتمع، وذلك نظرا لارتباطه بنواح اقتصادية واجتماعية وسياسية وثقافية، كما يدعم ثقافة الحوار ويسعى للاستفادة من التجارب العملية لدول أخرى.
ويهدف الإعلام التنموي لفهم وإدراك ما يحيط بالإنسان من ظواهر وأحداث، كنقل التراث الثقافي من جيل لآخر، وتنمية الحس الوطني والقومي لدى المواطنين، وكشف الأفكار الهدامة والداعية إلى تعميق التخلف في المجتمع، والتركيز على دور الشباب وقضاياهم، وتعزيز قدرات كل أفراد المجتمع من أجل المشاركة الإيجابية في عملية التنمية، ومن وظائف الإعلام التنموي تشكيل اتجاهات الشعب وتنمية هويته الوطنية، وتشجيع المواطنين على الثقة بالمؤسسات والسياسات الحكومية، وإبراز الإيجابيات وتجاهل السلبيات والتوجيه والإرشاد والتثقيف والإخبار ونشر المعرفة التنموية بين الأفراد، وتوسيع الآفاق الفكرية ولفت انتباه الناس إلى القضايا العامة، والتأثير في اتجاهات ومواقف الأفراد والجماعات لجعلهم أكثر انتماء للدولة وولاء لقيادتها.
وهناك عدد من العوامل تساعد وسائل الإعلام في القيام بدور فاعل حيال عملية التنمية، إذ لابد أن ترتبط خطة وسائل الإعلام ارتباطا عضويا بخطة التنمية، وأن تعمل على تطوير آلياتها والارتقاء بمستوى أدائها وأداء العاملين بها، ولابد من مد الجسور لبناء الثقة والشراكة بين المؤسسات الإعلامية والمؤسسات التنموية من أجل الاستثمار الأمثل للنشاط الصحافي والإعلامي في خدمة قضايا التنمية، ويبقى الإعلام موضوعيا بالرغم من عدم استقلاليته من خلال اعتماد الطرح المسؤول والمحافظة على مستوى من المهنية واحترام الرأي الآخر وإتاحة الفرصة للحوار الهادف والبناء، والتركيز على نشر مبادئ الإنصاف والتنمية.
إن الدور التنموي والحقيقي والفاعل لوسائل الإعلام هو الاهتمام بالإنسان وجعله في المقام الأول باعتباره المحرك لكل عناصر التنمية، والسعي لإعادة صياغة وتشكيل كثير من الأنماط السلوكية لديه، وباختصار فإن الإعلام التنموي هو إعلام مسؤول عن طرح القضايا وتوضيح الرؤى وتوجيه المواطنين في المسائل المتنوعة في آن واحد، والخشية هنا لا تأتي من اتساع سطوة وقوة الإعلام، لكن الخشية الحقيقية تأتي من احتمال تحول دور الإعلام من البناء إلى الهدم، وأن يتحول من تقديم الصورة والقدوة الحسنة إلى تقديم النماذج الضارة مجتمعيا، لهذا السبب كتبت هذا المقال ليطرح المشكلة العميقة التي تؤثر في مجتمعاتنا بقوة وتحتاج إلى حل حقيقي بعيدا عن كل الاعتبارات، فهل من معتبر؟، ولنعلم جميعا أن وسائل الإعلام كغيرها من الأدوات، أداة محايدة تكون إيجابية إذا أحسن استخدامها، وتتحول إلى سلبية وخطيرة في حال إساءة الاستخدام، فأين نحن.. من هذا؟