علي إبراهيم
أكد خبراء اقتصاديون لـ «الأنباء» أن مجاراة بنك الكويت المركزي لقرارات رفع الفائدة من قبل الفيدرالي الأميركي بمعدلات أقل من التي يصدرها الأخير في قراراته، يرجع إلى السياسة النقدية المتأنية التي ترتكز على التدرج في رفع أسعار الفائدة بما يتناسب مع خصوصية الاقتصاد الكويتي.
وأشار الاقتصاديون إلى أن طبيعة الاقتصاد الكويتي مختلفة عن الاقتصاد الأميركي لجهة معدلات التضخم ونسب البطالة، وهو الأمر الذي يدركه القائمون على السياسة النقدية في الكويت جيدا وبناء عليه يتخذون قراراتهم بما يصب في صالح الاقتصاد الوطني.
وجاءت آراء الاقتصاديين متسقة مع تصريح محافظ بنك الكويت المركزي باسل الهارون الذي قال مساء أول من أمس إن «المركزي» سيواصل متابعته الحثيثة لتطورات الأوضاع الاقتصادية والنقدية ومستجداتها على الصعيدين المحلي والعالمي للتحرك لاستخدام مختلف الأدوات المتاحة للسياسة النقدية، بما يضمن ترسيخ دعائم الاستقرار النقدي والاستقرار المالي في الكويت.
جاء ذلك بعدما أعلن أن مجلس إدارة بنك الكويت المركزي قرر رفع سعر الخصم بواقع ربع نقطة مئوية من 2 إلى 2.25%، وذلك ابتداء من 16 يونيو 2022، كما تقرر إجراء تعديل بنسب متفاوتة في أسعار التدخل في السوق النقدي المطبقة حاليا على جميع آجال هيكل سعر الفائدة، ويشمل ذلك عمليات إعادة الشراء (الريبو)، وسندات وتورق «المركزي»، ونظام قبول الودائع لأجل، وأدوات التدخل المباشر، بالإضافة إلى أدوات الدين العام.
وأكد المحافظ أن قرار «المركزي» يأتي في ضوء متابعته المستمرة لمستجدات الأوضاع الاقتصادية المحلية والعالمية والتطورات الجيوسياسية وأثرها على الارتفاعات في معدلات التضخم العالمية الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة، وأسعار السلع، والاضطرابات في سلاسل التوريد، وهي مصدر أساسي للتضخم المستورد، والذي ينعكس في الرقم القياسي لأسعار المستهلك في الكويت، وذلك في ضوء خاصية انفتاح الاقتصاد الكويتي على العالم الخارجي واعتماده على الاستيراد في تلبية جزء كبير من احتياجاته السلعية.
وأوضح أنه روعي في اتخاذ القرار مختلف العوامل المؤثرة في الرقم القياسي لأسعار المستهلك لتحديد وتقييم العوامل التي تشكل جوانب ضغط على هذه الأسعار، كما يأخذ البنك المركزي بعين الاعتبار المصادر المحلية التي تؤثر في معدلات التضخم ومنها العوامل النقدية التي تغذي الطلب المحلي الكلي.
في هذا السياق، قالت وزيرة التجارة والصناعة الأسبق د.أماني بورسلي أن السياسة العالمية لأسعار الفائدة عالميا تتجه نحو الرفع، ولكن معدلات زيادة الفائدة تختلف من دولة إلى أخرى وفقا للمعطيات الاقتصادية المرتبطة بمعدلات التضخم ونسب البطالة ومعدلات النمو الاقتصادي المتوقعة، وهو ما يظهر جليا في السياسة المتأنية التي يتبعها بنك الكويت المركزي بالزيادة التدريجية وعدم مجاراة الفيدرالي الأميركي بذات نسبة زيادة الفائدة، إذ رفع الفيدرالي 75 نقطة، فيما رفع المركزي الكويتي 25 نقطة فقط.
وأشارت بورسلي إلى أن متخذي قرارات السياسة النقدية يراعون طبيعة وخصوصية الاقتصاد الكويتي مقارنة بالأميركي، إذ إن معدلات التضخم هناك ومعدلات البطالة غير مشابهة لما بالكويت، خصوصا أن 95% من المواطنين في الكويت يعملون لدى القطاع العام وليست لدينا معدلات بطالة مثل الموجودة بالاقتصاد الأميركي.
وتطرقت إلى أن قرارات المركزي قد ترتكز على التدرج في رفع أسعار الفائدة حفاظا على الاقتصاد الوطني من أي ارتدادات، وهو الأمر الذي يسمح ويعطي لمتخذي القرار مجالا لتحقيق أكبر استفادة للاقتصاد الوطني، فيما يمكنه اتخاذ قرار آخر بالزيادة حال ظهرت الحاجة إلى ذلك الأمر.
وذكرت بورسلي أن ارتفاع أسعار النفط على الرغم من انعكاسها بشكل ايجابي على اقتصادنا والتي أدت إلى تحقيق فوائض مالية في الموازنة العامة، إلا أن انعكاسها على الاقتصاد العالمي والأميركي هو انعكاس سلبي، الأمر الذي دفع الى ضرورة انتهاج سياسة نقدية حازمة متمثلة برفع أسعار الفائدة الى 75 نقطة بهدف تلافي الارتفاعات غير المسبوقة في معدلات التضخم.
وأشارت أن ارتباط الدينار بالدولار ليس ربطا كليا، إذ إن الدينار يرتبط بسلة من العملات وفقا لأوزان ونسب معينة، وهو ما يعطي «المركزي» مجالا لاتخاذ قراراته بأريحية بما يحفظ استقرار الاقتصاد المحلي.
وختمت بورسلي بالإشارة إلى التغيرات التي حدثت مؤخرا في أداء الميزانية العامة للدولة، إثر ارتفاع أسعار النفط الكويتي إلى مستوى 120 دولارا للبرميل، وهو ما يقضي على العجز المقدر في الموازنة العامة للدولة، ويعيدنا إلى عصر الفوائض مجددا الأمر الذي يعطي أريحية أكبر لمتخذي القرار بشأن السياسة المالية للدولة لتصبح أكثر فعالية مجددا.
من جانبه، قال مؤسس شركة «نيوبيري» للاستشارات عصام الطواري إن سياسة المركزي في التعامل مع زيادة معدلات الفائدة ترتكز على «التدرج» تحسبا لفارق المتغيرات الاقتصادية واثرها بين الاقتصادين الأميركي والكويتي.
وأشار إلى أن معدلات التضخم والبطالة في أميركا تطلبت تدخل الفيدرالي كونه مسؤولا عن السياسة النقدية والذي عمد إلى سياسة «صدمة الاقتصاد» برفع الفائدة بمعدلات عالية، والتي قابلها «المركزي» الكويتي بمعدلات أدنى للحفاظ على جاذبية الدينار، ولكن لم يرفع الفائدة بنفس النسبة لعدم حاجة الاقتصاد الكويتي حاليا إلى تلك المعدلات.
وأكد الطواري أن سياسة المركزي الكويتي تتسم بالحصافة في اتخاذ القرارات ومتابعة كافة الأبعاد سواء محليا أو عالميا، مبينا أن الواقع الاقتصادي في الكويت مختلف وهو ما يدركه المركزي خصوصا أن معدلات التضخم لدينا مستوردة كوننا نستورد غالبية سلعنا من خارج الكويت، ناهيك عن أن معدلات البطالة في الكويت تكاد تكون معدومة كون أغلب المواطنين معينين في الحكومة، على العكس من الاقتصاد الأميركي الذي يعتمد على القطاع الخاص في التوظيف.
وأشار إلى أن مجاراة المركزي لقرارات الفيدرالي بمعدلات زيادة أقل تعطي الكويت مجالا أكبر للحفاظ على تنافسية اقتصادنا الوطني وقوة عملتنا، في حين يمكن للمركزي الزيادة وقتما يشاء وفقا للمتغيرات بما يضمن استمرارية استقرار السياسة النقدية.