- أم علي: من الصعب على المواطنة صاحبة البسطة التواجد الدائم على بسطتها وأجور العاملات مرتفعة وعدم إقبال من المتسوقين كما كان سابقاً يسبب لنا الخسارة
- جميع الدول العربية والأجنبية تهتم بالأسواق والأماكن التاريخية وتقدم الدعم للعاملين فيها ونتمنى عودة سوق «واجف» إلى ما كان عليه في السابق من مكانة متميزة
محمد الدشيش
هناك الكثير من المعالم والأماكن التي تركت في ذاكرتنا أثرا كبيرا، ولا تزال الأحاديث عنها وعن زيارتها تتوارد من الأجداد والآباء والأمهات الذين اعتادوا عليها في كثير من أيامهم لقضاء احتياجاتهم مما تقدمه، ولعل «سوق الحريم» في منطقة المباركية واحدا من هذه الأماكن التي وللأسف يحتاج إلى اهتمام أكبر من جميع الجهات المعنية في الدولة ليستمر ويعود إلى ما كان عليه في السابق، ورغم سماع الكثير عن العمل على تطوير هذا السوق التراثي إلا أننا لا نرى شيئا على ارض الواقع، فمعظم البسطات فارغة، وهي بحاجة إلى التشجيع على الاستثمار فيها كون مردودها المادي ليس كبيرا، وللوقوف على أحوال السوق، قامت «الأنباء» بجولة في هذا السوق وأخذت آراء عدد من رواده والعاملين فيه، وفيما يلي التفاصيل:
التقينا في البداية مع ام عبدالعزيز التي قالت لـ«الأنباء»: «راح اقولك قصة سوق الحريم او سوق واقف كما هو معروف، فقصة هذا السوق بدأت في الأربعينيات من القرن الماضي، واغلب العاملات فيه كن من الكويتيات، وكان اغلب الناس يشترون اغراضهم من الحريم وهم واقفين، واغلب البضائع كانت عبارة عن شغل يدوي، وفيه تباع أيضا بعض الاغراض الاصلية، وكان كل شيء فيه مميز فأطلق عليه سوق واقف، ولكن للاسف بالوقت الحالي اصبحت جميع البائعات من الجنسيات الآسيوية وكل ما يعرض فيه مستورد ومتوافر في جميع الاسواق، ولا يوجد به شيء يميزه عن غيره من الاسواق الثانية، وعتبنا على البلدية ونتمنى الاهتمام أكثر بهذا السوق الذي يمتد عمره الى اكثر من 80 عاما، وأيضا نتمنى الاهتمام بهذا المكان واعتباره من التراث مثل جميع الدول بالعالم التي تهتم بتراثها وتحافظ عليه، وعندي اقتراح لو يتم وضع اسماء الكويتيات السابقات اللي كانوا يشتغلون ويبيعون في السوق حتى يعرف ابناؤنا عن تاريخ امهاتنا وكيف كان كفاحهن للحصول على لقمة العيش ومساعدة الرجال.
فرص للمتقاعدات
بدورها، تحدثت دلال المزين عن السوق قائلة: حاليا عمري 50 سنة وقد سمعت عن هذا السوق من امي ومن جدتي، وكيف كان يتم عرض البضائع الاصلية التي تأتي من دول عديدة، وكذلك الاغراض المصنوعة محليا مثل القحافي والحنا والملابس الشعبية وبعض الحلويات والكعك وغيرها من الاحتياجات والمواد التي تلزم الأسر وأفرادها، واليوم لو تشوف السوق وكيف أصبح في حالة يرثى لها ولا يوجد فيه الا اربع بسطات بالواجهة وتعمل فيها عمالة آسيوية، والمفروض تكون هذه البسطات استثمارية لامهاتنا المتقاعدات للاستفادة منه والمحافظة على التراث وعمل توزيع للبسطات كل 3 سنوات عن طريق القرعة للراغبات من المتقاعدات بالعمل والاستثمار خصوصا أنه مكان مخصص للحريم وفق اسمه، مشيرة إلى أن الناس كانت تتعنى للوصول إلى هذا السوق نظرا لخصوصيته وجودة ما يعرض فيه، وكانوا يشيدون به ويتغنون بجودة الأصناف التي تباع فيه، وقد سمعنا الكثير من القصائد والاغاني عن سوق واقف او سوق الحريم.
أما ام عبدالله القلاف فقالت لـ«الأنباء»: انا لم اشتر في حياتي من هذا السوق، ولكن سمعت عن هذا السوق كثيرا وكانت الامهات والجدات يرتدنه لشراء الكثير من احتياجاتهن، وقالت حرام ان تكون هذه البسطات فاضية ومهجورة، ولابد ان تخصص لبعض العوائل ذات الدخول الضعيفة والعوائل المنتجة، ونتمنى ان يتم تطويره ببعض المعدات الجديدة من اضاءة وتكييف وغير ذلك من خدمات وأمور.
مراحل متعددة
والتقينا أيضا مع ابراهيم القلاف الذي قال: هذا احد الاسواق الكويتية التي يبدو أنها في طريقها للاندثار، والملاحظ أنه لا يوجد اي اهتمام به، وقد كان هذا السوق سابقا مزدحما بالباعة والمتسوقين حتى أنه لا احد يستطيع ان يمشي به بأريحية بسبب كثرة الزحمة، وصار له اكثر من 80 عاما، وقد مر بمراحل عديدة زامنت تطور الكويت من الاسواق الشعبية البسيطة الى الاسواق القديمة الى الاسواق الحالية والمجمعات الكبيرة والمراكز التجارية، ولكن للاسف بالوقت الحالي اصبح هذا السوق خاليا من البائعات الكويتيات وخاليا من الزبائن، ونطالب الحكومة والبلدية بأن تنشئ هيئة للاسواق التراثية للمحافظة على تراثنا من الاندثار، وأن يكون كل سوق مضى عليه اكثر من 50 عاما تحت إشراف هذه الهيئة لمتابعته وتنظيم آلية العمل به.
الأمهات والجدات
كذلك تحدث عبدالله سليمان لـ«الأنباء» فقال: هذا السوق هو سوق امهاتنا وجداتنا، ولكن للاسف غابت عنه جميع جهات الدولة واصبح في حالة يرثى لها، واغلب البسطات أصبحت فارغة، والبسطات التي تعمل فيه جميع البائعين بها من جنسيات آسيوية، وحتى الزبائن لهذا السوق اصبحوا من الجنسية الآسيوية، واذا استمر الوضع على هذا الحال فإن السوق سيمحى من الوجود وينسى، وبهذا نفقد سوقا من اهم الاسواق التراثية الكويتية والتي طالما سمعنا الاغاني والقصايد عنه، ورجاؤنا أن يكون هناك اهتمام جدي حتى يعود السوق الى مكانته السابقة، خصوصا أنه يقع في المباركية التي يقصدها جميع المواطنين والمقيمين، وأيضا زوار الكويت من أبناء الخليج والدول الأخرى.
من جانبه، قال خالد الحمدان: إن أهمية سوق الحريم لا تقل عن سوق الجت أو سوق السلاح وسوق الغربللي والاسواق الكويتية القديمة الاخرى، بل يعتبر هذا السوق من اشهرها، والمفروض من ان تقوم البلدية بوضع أجهزة التكييف والمحافظة على نظافته وتوزيعه على الاسر الكويتية المنتجة، وأن تقوم الدولة بدعمهم ويكون الايجار بسعر رمزي لتشجيعهم على الاستمرار بالعمل في هذا السوق، موضحا أن جميع الدول العربية والاجنبية لديهم اسواق قديمة وتراثية في معظم مدنها، وهم يهتمون بها بشكل واضح، وهذا ما نلاحظه خلال الزيارات والسفر، الا نحن بالكويت اصبحنا نبحث عن كل ما هو جديد وابتعدنا عن الماضي واسواق الماضي، وابتعدنا عن الحياة البسيطة واصبحنا نبحث عن المظاهر.
العاملة والكفيلة
واخيرا التقينا مع ام علي وهي الكويتية الوحيدة التي تعمل في سوق الحريم، حيث أوضحت انها تملك بسطة وتعمل بها منذ اكثر من 45 سنة ولا تزال تمارس العمل في نفس المكان.
وقالت: يا حسرتي على السوق السابق اللي كنا نشتغل فيه من الصبح الى وقت الاغلاق، والزبائن يتوافدون على السوق من جميع انحاء الكويت وأيضا زوار الكويت للشراء من بضاعتنا، ولكن تغير الوقت علينا والآن لم يعد احد يزور هذا السوق الا القلة القليلة جدا، ويشهد الله لولا حبي لهذا المكان والعمر اللي خلصته في هذا السوق ما كان قعدت فيه بسبب الاهمال من الجهات المعنية، وقد طالبناهم بوضع أجهزة للتكييف وترتيب البسطات بشكل أفضل وتوفير ابسط الاحتياجات التي تجلب الزوار لهذا السوق ولكن لا حياة لمن تنادي.
وأضافت أم علي: انا لا اتكلم عن قيمة الايجار لان الايجار بالوقت الحالي هو رمزي بمبلغ 25 دينارا في الشهر وهذا السعر رخيص جدا، ولكن انا اتحدث عن الخدمات الاخرى التي يفتقدها هذا السوق، وانا اعتب على الزبائن الذين ابتعدوا أيضا عن سوقنا وتوجهوا الى الاسواق الحديثة، واللي اغلب بضاعتها تكون مقلدة وغير اصلية، وبينت انها لا تزال تحافظ على أنواع وجودة البضاعة التي تقدمها للزبائن، وانها لا تبيع الا البضاعة الاصلية وبأسعار جدا رخيصة مقارنة مع الاسواق الاخرى التي تضاعف الاسعار كل فترة وأخرى.
وزادت أم علي: «هل تعلم أنه بالسابق كانت اغلب العرائس يشترين زهابهم من عندنا وحتى ملابس القرقيعان وملابس العيد كن يشترينها من عندنا؟!، واليوم للأسف لم نعد نرى هذه الفئة من المواطنين، وعن سبب ترك اغلب المواطنات الكويتيات العمل في هذه البسطات، قالت لان البلدية تشترط على المواطنة ان تكون هي البائعة في البسطة او ان تكون الموظفة العاملة في البسطة على اقامة صاحبة البسطة وتكون صاحبة البسطة متواجدة معها اغلب الوقت، مضيفة: لو فكرت اني احط موظفة بالبسطة فبكل تأكيد ان الخسارة راح تكون من نصيبي، لان ارخص موظفة بالوقت الحالي تبي 200 دينار وانت طالع، ولا يوجد في البسطة كمية مبيعات تغطي هذه الالتزامات، وياريت يبسطوا الاجراءات ويخففوا الشروط حتى نستطيع العمل والاستمرار، فهل منظر هذه البسطات وهي فارغة يعجب أحدا.