منذ خلق الله الدنيا والناس تختلف آراؤها، ويتباينون في توجهاتهم، حتى في عصر النبوة، فكل له رأي وتوجه وميل، وفق قاعدة (وأمرهم شورى بينهم) بحيث لا يستبد أحد برأيه في أمر من الأمور المشتركة بينهم، والرأي يقبل الخطأ والصواب والنقاش، ولنا فيمن سبقنا الأسوة في قصص كثيرة.
وقد قال أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه على مرأى ومسمع من الناس: «أخطأ عمر وأصابت امرأة»، فحرية الرأي مكفولة، ولكن عندنا في الكويت الأمر مختلف اختلافا كبيرا فلم يعد مقبولا سماع الرأي المخالف على الإطلاق حتى وإن كان رأيا رصينا ومتزنا. لقد وصل بنا المطاف إلى «اسمع واصمت ولا تعلق»، وإن قلت شيئا ويل لك وعول، هذا ما نراه واضحا هذه الأيام مع بالغ الأسف، والحق أن كثيرا من الناس يثيرون الدهشة والعجب، فما أن تطرح رأيك المخالف لهم حتى ينهالوا عليك شتما وسبابا وكأنك ارتكبت جريمة شنعاء، لا لشيء ولكن لأنك خالفتهم، وقلت أمرا لا يروق لهم، حتى سعة الصدر ومنطقية الحوار اختفت ولم نعد نراها.
وأصبحت مصادرة الرأي الآخر هي المهيمنة، بل وكثرت الغوغائية وباتت الفوضى هي الغالبة وليت الأمر يقف عند مخالفة الرأي ولكنه تجاوز ذلك إلى حد بعيد، وغصت المحاكم بقضايا من هذا النوع، ومن العجائب أنك إذا أثنيت على شخص يعجبك هاجمك العشرات والمئات ممن لا يحبونه وشتموك من أجل احترامك لهذا الشخص أو ذاك، يريدون أن تكون آراء الناس وتوجهاتهم ملكا خاصا لهم، وهذا هو التعسف، وإن لم تكن كما يريدون صبوا جام غضبهم عليك.
لم يعد الرأي المخالف مقبولا، فرأيك الصريح ممنوع منعا باتا شئت أم أبيت، رغم أنفك، إن حرية التعبير وإبداء الرأي مكفولة إلا عند هؤلاء، حتى وإن كان رأيك يراعي الأطر والأخلاقيات، فهم لا يعرفون ثقافة الاختلاف، ولا خذ وهات، ولا يقرون بها، ينادون ملء أفواههم بالديموقراطية وحرية الرأي والديموقراطية منهم براء لا يعرفون منها إلا ما يروق لهم، إذا اختلفت معه بالرأي كأنك تشتمه، علما أن احترام آراء الآخرين قيمة إسلامية وخلق رفيع، وقد وضع لنا ديننا السمح ضوابط لأدب الحوار، فمن له رأي عليه أن يتقبل الرأي المخالف له برحابة صدر.
يقول الإمام محمد بن إدريس الشافعي: «رأينا صواب يحتمل الخطأ، ورأي غيرنا خطأ يحتمل الصواب»، فأين الحوار العقلاني في خضم هذه الفوضى؟ وإن دام هذا السير يا مسعود لا جمل يبقى ولا قعود، واختلاف الرأي لا يعني الخصام والشجار بل يعني سعة الأفق ولا يعني الإقصاء الفكري فلا يضيق صدرك برأي غيرك ما دام هو لم يضق صدره برأيك، فاللهم اهدنا إلى سبيل الرشاد.