أثناء الحديث مع صديق ياباني، وهو دكتور في الفيزياء، يعمل في شركة أبحاث في تويوتا قال: لدي استعداد أن أعطي محاضرات في كل دول العالم إلا الصين، فلما سألت عن السبب قال: الصينيون لديهم شغف ليس له نظير في العلم، كميات الطلبة ضخمة، ويدونون كل كلمة، والمحاضرة التي وقتها ساعة، يمتد وقت الأسئلة لأكثر من ساعتين، وهذا الوضع معاكس لما كانت عليه الثقافة الصينية قبل استعمارها، فكان أغلب اهتمامات المجتمع الصيني التعليمية منصبة على دراسة ديانتهم وتعليمهم القديم، وكانوا يعانون من المجاعات إلى أن انخرطوا في العملية العلمية في العالم فتحول حالهم من المجاعة إلى ثاني أقوى اقتصاد بالعالم حاليا بفضل العلم.
أما سنغافورة التي كان الناتج الإجمالي المحلي لها عام 1969 لا يتجاوز 511 دولارا فقط، وهي الآن على الرغم من صغرها تمتلك تاسع أعلى احتياطي في العالم، ولا يتحقق هذا إلا بوجود عقليات تطورية صادقة تهتم ببناء الدولة والإنسان، فعندما تسلم (لي كوان يو) رئاسة الدولة اختار أن يسير على الطريق الذي أدى إلى تطور جميع الأمم، ألا وهو طريق العلم والتعليم.
واليابان التي خسرت الحرب العالمية، وعانت من مجاعة بعدها، وجدت أن الطريق الوحيد للخلاص من هذا الفشل هو العلم والتعليم، وكوريا الجنوبية التي اهتمت بالعلم، نهضت بعد احتلال ياباني وحرب داخلية بين الكوريتين، بينما أبناء عمومتهم الشماليون الذين كان اهتمامهم عسكريا أكثر، ولم يكن للعلم قيمة تراجعوا، ولولا الدعم الخارجي لهم لماتوا من الجوع. لكن للأسف عندما يطرح تاريخ الشعوب، عادة ما يسير على الطرح الجانب السياسي والعسكري وأحيانا الاقتصادي، لكن الواقع يخبرنا انه لم تتطور أمة إلا وكان الطريق الوحيد لها هو طريق العلم والمعرفة.
وضع التعليم في الكويت يدق نواقيس الخطر منذ سنين، أعداد المحرومين بسبب الغش 500 شخص يوميا، طلبة الثانوية الذين لا يجيدون الكتابة والقراءة في تزايد، المناهج أقل ما يقال عنها أنها غير قائمة على أسس علمية رصينة، وأتت كورونا ونسفت الرمق الأخير من النظام التعليمي لدينا، أعداد غير قليلة من المثقفين كانت تدق نواقيس الخطر التعليمية منذ زمن، ولا يوجد أي بوادر للإصلاح، الحلول موجودة ومعروفة، ولكن الإيمان بإنقاذ التعليم للأسف غير موجود، وكل الحاصل من قرارات تعليمية عبارة عن ردود فعل.