يعود تاريخ استخدام العملات في الكويت إلى نحو 300 عام قبل الميلاد، فقد اكتشفت حملات التنقيب في جزيرة فيلكا بعض قطع النقود المسكوكة باسم «الإسكندر الأكبر»، ومنذ القرن الـ 18 الميلادي وفي ظل تنامي التجارة في الكويت برا وبحرا برزت الحاجة إلى عملة يتم من خلالها تنظيم تبادل السلع والخدمات فيما بين السكان من جهة، وبين السكان والعالم الخارجي من جهة أخرى. ومن ثم ظهرت في أسواق الكويت العديد من العملات المتداولة في البلدان المجاورة في تلك الحقبة، وهي عملات مختلفة فيما بينها إلى حد كبير شكلا ونوعا وقيمة.
عملات متعددة
من بين العملات التي تداولها أهل الكويت آنذاك «طويلة الحسا»، «العملات العثمانية»، «القران والقاجاري الإيراني»، الريال الفرنسي أو الريال النمساوي (ريال ماريا تيريزا)، «البرغشي العماني»، بالإضافة إلى الجنيهات الذهبية الفرنسية والجنيهات الذهبية الإنجليزية وأيضا الروبيات الهندية، وغيرها من العملات التي تداولها الكويتيون دون تمييز أو تفضيل عملة على أخرى، بالرغم من التباين الواضح فيما بين هذه العملات من حيث القيمة والشكل والمصدر.
إصدار أول عملة
يرجع الفضل لحاكم الكويت الخامس الشيخ عبدالله بن صباح الصباح (عبدالله الثاني) في المبادرة نحو إصدار أول عملة كويتية معدنية عام 1886 ميلادية وهي الـ «بيزة»، حيث دون على أحد وجهيها اسم الكويت، وعلى وجهها الآخر توقيعه، وهي عملة لم يقدر لها الاستمرار لأسباب عدة، وقد استقر التداول بالربيات الهندية في الكويت كما في باقي أرجاء الجزيرة العربية خلال النصف الأول من القرن العشرين، نظرا لتنامي التجارة مع الهند، إلى أن تأسس مجلس النقد الكويتي برئاسة الشيخ جابر الأحمد - طيب الله ثراه - وأصدر الدينار الكويتي وفقا للمرسوم الأميري رقم 41 لسنة 1960 بقانون النقد الكويتي الذي نص على «جعل الدينار الكويتي العملة الرسمية للبلاد»، ثم طرحه للتداول اعتبارا من الأول من أبريل عام 1961، حيث أصدر هذا المرسوم باني الكويت الحديثة حاكم البلاد الشيخ عبدالله سالم الصباح كلبنة من لبنات بناء الكويت الحديثة.
إنشاء «المركزي»
في يونيو 1968م صدر القانون 32 في شأن النقد وبنك الكويت المركزي وتنظيم المهنة المصرفية ليحل بذلك محل مجلس النقد الكويتي الذي تأسس بموجب المرسوم الأميري رقم 41 لسنة 1960، وقد اقتصر دور مجلس النقد الكويتي في حينه على إصدار العملات الوطنية النقدية الورقية والمعدنية.
لقد جاء إنشاء بنك الكويت المركزي تلبية لضرورة مواكبة التطورات الاقتصادية المحلية والدولية في إطار الدور الذي تقوم به البنوك المركزية في مجال رسم وتنفيذ السياسة النقدية وتنظيم ومراقبة أعمال الجهاز المصرفي، لاسيما في ضوء تزايد أهمية السياسة النقدية في تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية في البلاد.
رأسمال البنك
بلغ رأسمال بنك الكويت المركزي 5 ملايين دينار مسددة بالكامل من قبل الحكومة. وقد أجاز القانون الذي حمل رقم 32 لسنة 1968 وتعديلاته زيادة رأسمال البنك بالسحب من الاحتياطي العام للبنك بموجب مرسوم أميري.
التصدي للمنعطفات المالية
استطاع بنك الكويت المركزي التعامل بحنكة وحرفية بالغة مع المنعطفات الحادة بالاتجاهات المالية العالمية، فمع نهاية عقد الستينيات من القرن الماضي تم فك الارتباط بالجنيه الإسترليني، تلاه فك الارتباط بالدولار الأميركي في سبعينيات القرن الماضي ليخرج بنك الكويت المركزي بالدينار الكويتي من هذه المنعطفات، محافظا على قيمته وقوته وسعر صرفه كأقوى سعر صرف للعملة في العالم.
حنكة في التعامل مع التحديات
تمكن «المركزي» من مواجهة كل الأزمات الاقتصادية التي تعرض لها اقتصاد الكويت بحصافة واقتدار، فمع بداية العقد الثامن من القرن الماضي تعرضت البلاد لضربة اقتصادية موجعة تمثلت في انهيار سوق الأسهم الكويتية المعروفة آنذاك بأزمة «سوق المناخ» وما أعقبه من تبعات طالت القطاع المصرفي والمالي في الكويت.
وأيضا تأثرت المنطقة ومنها الكويت بعواقب الحرب العراقية - الإيرانية التي استمرت 8 سنوات وما إن انتهت الحرب استبشرت المنطقة بالاستقرار لفترة قصيرة ثم تعرضت البلاد لغزو عراقي غاشم هز المنطقة والعالم.
وبإصرار وعزم القيادة السياسية والشعب الكويتي ومؤسسات الدولة ومنها بنك الكويت المركزي استطاعوا جميعا استعادة وطنهم وإعادة ضخ الدماء في اقتصاده والمحافظة على عملته الوطنية وطرح إصدار جديد مؤقت من الدينار الكويتي لمواجهة سرقات كميات من النقد المتداول من قبل الغزاة، بالإضافة إلى تشغيل الخدمات الحيوية للجهاز المصرفي في وقت قياسي، إضافة الى دوره في عودة الحياة الطبيعية ودعم جهود إعادة الأعمال، وهو ما كان من أهم إنجازات البنك في مرحلة ما بعد التحرير.
ومن ضمن إنجازات «المركزي» أيضا تعامله السريع والحاسم مع الآثار الاقتصادية الصعبة التي طالت الاقتصاد الوطني والقطاع المصرفي والمالي نتيجة الأزمة الاقتصادية العالمية عام 2008 التي طالت تداعياتها اقتصادات جميع دول العالم، وعمل المركزي بجد على تطويق أثرها على الوحدات الاقتصادية.
جيش محترف في مواجهة الوباء
في يوم عادي من أيام شهر فبراير عام 2020 كانت تعيشه الكويت كان الموظفون في مقار عملهم والطلبة في مدارسهم وربات البيوت يتابعن شؤون أسرهن ولا توجد في حياة المجتمع في الكويت أي علامة فارقة والبلاد تعيش حالة من الأفراح بالأعياد الوطنية، وفجأة وبلا مقدمات تغيرت ملامح العالم بحدث لم يكن منتظرا غير صورة الكرة الأرضية بمختلف قاراتها بعد انتشار فيروس (كوفيد -19) وتسلل الوباء إلى الكويت أسوة ببقية دول العالم.
ردت الحكومة الكويتية على الوباء الذي صنف كجائحة فيما بعد من قبل منظمة الصحة العالمية، والذي كان يتزايد بشكل تدريجي مع زيادة الأعداد المصابة، وكان ردها باتخاذها لبعض الإجراءات التي تضمنت آنذاك وضع القادمين إلى الكويت قيد الحجر الصحي المؤسسي والمنزلي الإجباري.
ومن بعدها بدأت إجراءات الدولة تتزايد بعد تحول الإصابات المحدودة إلى وباء ينتشر، حيث تلا ذلك إغلاق كافة منافذ الدولة وتغيير ملامح العمل الطبيعي وإغلاق المؤسسات العامة والخاصة في البلاد.
لكن قرار السلطات بوقف العمل الرسمي بمؤسسات الدولة وتخفيض نسبة الموظفين فيها لأضيق الحدود، لم يمنع العاملين في بنك الكويت المركزي من إتمام عملهم بروح من المسؤولية بعد أن تصدت هذه المؤسسة السيادية بجيشها المحترف من الناحية الاقتصادية والمالية بشكل محكم لتلك الأزمة العاصفة بالكوكب لضمان تحقيق الاستقرار المالي فعملت المؤسسات المصرفية دون انقطاع وبشكل فريد لتحقيق الاستقرار النقدي دون تأثر، كما لعب المركزي دورا محوريا في دعم الاستقرار الاجتماعي ومساندة جهود الدولة في مواجهة الجائحة.