كلما كانت المجتمعات تعم فيها المشاعر المتوازنة، صارت غنية بالأشخاص القيادية والمبدعين ورواد الإصلاح ومحبي السلام، وحين تغيب عنها تحل بها الفوضى والفساد والكوارث.
إن الحياة نعمة عظيمة وهي عطية الخالق، ولذلك فالإنسان يولد محبا للحياة، وان ثقافة التسامح فضيلة إنسانية مغروسة في نفوس وضمائر البشر من أجل التخلي عن المشاكل الاجتماعية والنفسية والثقافية والدينية التي تترك آثارا مهمة في حياة الأفراد داخل المجتمع.
لقد عاش الآباء والأجداد في مصالحة مع الذات من دون عقد فما الذي حصل لمجتمعنا؟ ولماذا أصبح البعض عدوانيا ناقما؟
من المفترض على من يعتبر نفسه من أهل الفكر والنخبة، أن يعمل على لم الشمل، وإصلاح ذات البين لا أن يقوم بتمزيق وهلاك المجتمع، إلا إذا كانت لديه مآرب شريرة، أو لإظهار نفسه، أو لصنع (الترند) على مواقع التواصل الاجتماعي، بكلمات حق يراد بها باطل كسلوك طبيعي.
لا أبالغ إن قلت إن هناك انتشارا مخيفا لمظاهر الحقد والتباغض والكراهية على مواقع التواصل الاجتماعي، في مجتمع صغير تجمع بين أفراده عوامل التجانس والوحدة ثقافيا واجتماعيا، مجتمع يعرف بعضه البعض، حيث «كلنا عيال قرية وكلن يعرف أخيه».
فكيف نفهم ما أصبح عليه أبناء البلد الواحد من نزوع نحو الانقسام والفرقة؟ وكيف نفسر استشراء الخطاب المتأجج بلهيب الضغينة؟
إعصار يعمي الأعين عن الحق والعقل والمنطق، دوامة تجر كرة من نار الفتنة، تتعاظم وتعيق المجتمع عن تجاوز مشاكله وتعيق مسيرة الوطن نحو البناء والتطوير والتنمية المستدامة، وبناء مستقبل أفضل لأجياله الصاعدة.
مجتمع تصبح فيه حرية الكلام خالية من البغضاء والكراهية والحقد وإن اختلفنا، وإعلاء صوت العقل ويصبح الفرد رقيبا على نفسه، وفق التزام أخلاقي تجاه نفسه والمجتمع، كي تنشأ الأجيال القادمة في مناخ سليم يضمن لمجتمعنا امتداده وسيرورته التاريخية.
حين تعتل الضمائر تنتشر الكراهية كالنار في الهشيم، يستغل المتعصبون وسائل التواصل الاجتماعي لبث سمومهم، ليهددوا التماسك الاجتماعي وينالوا من القيم المشتركة، فالكراهية لا تنتعش إلا إذا غيب العقل وقبر المنطق، وصفة سحرية لتدمير النسيج الاجتماعي.
ظاهرة الحقد منتشرة بكل المجتمعات، لكن عندما تصبح الظاهرة مرضية وتشكل خطرا متزايدا على المجتمع برمته، لا يسعنا هنا إلا أن نتناولها بشكل صريح وانعكاساتها السلبية على المجتمع.
في حاجة إلى أن نعيد الاتزان إلى من فقد صوابه لسبب من الأسباب، وترسيخ قيم الاحترام والتسامح والتعايش والحق في الاختلاف، والتمسك بما ورثناه من الآباء والأجداد وهو الذي ينبغي أن نبني عليه ونطوره في ضوء المتغيرات السياسية والثقافية لنبعد شبح الكراهية والحقد والفتنة عن نسيجنا الاجتماعي بإيقاف الأصوات النشاز، والعمل على إبعاد الكلمات التي تحمل في طياتها خبثا وكراهية، فنحن لا نريد الهدم، بل نريد بناء الوطن بالتآلف والتكاتف، وحرية كلام مسؤولة، ولن تتم إلا عبر المصلحين التنويريين، وجهود وطنية راشدة تدفع نحو الاستقرار.
٭ عز الكلام: عن عبدالله بن عمرو رضي الله عنه قال: «قيل يا رسول الله أي الناس أفضل؟ قال: «كل مخموم القلب، صدوق اللسان» قالوا: صدوق اللسان نعرفه، فما مخموم القلب؟ قال: «هو التقي النقي، لا إثم فيه ولا بغي ولا غل ولا حسد».
[email protected]
تويتر: Nesaimallewan