دخلنا الألفية الثالثة قبل 20 سنة، وكلنا أمل أن نلحق بركب الحضارة والتطور، ولكن الواقع للأسف بقي مقصورا على ما نستورده من الخارج، أما أن نكون مشاركين في هذه النهضة الصناعية فهذا حتى الآن وللأسف بعيد المنال، ومشكلاتنا تزداد وتتفاقم، والحلول غائبة، وجميع الصرخات لا تجد مجيبا لها.
اليوم واقعنا الصحي مأساوي، وتحديدا أزمة نقص الأدوية التي تتحدث عنها الكويت كلها، إلى جانب ارتفاع أسعارها المخيف وتسلط شركات بعينها على الاستيراد، وغياب الرؤية لتوفير الأمن الصحي أسوة بالغذائي.
الكويت حتى الآن عالة على الدول العربية والأجنبية في استيراد الدواء، ولا توجد لدينا مصانع محلية احترافية ومتطورة للأدوية، مع غياب التقدير الجيد من قبل المستودعات الطبية لحاجة الدولة من الأدوية اللازمة، كما أننا وضعنا أعناقنا في يد الوكيل الحصري المحلي في الكويت باعتباره نقطة وصل واحدة بين الشركة المنتجة والدولة، ولا ننكر الأسباب اللوجستية المتعلقة بالشحن والتوزيع والتخزين.
الأمر لا يتوقف عند هذا، فعدد مخالفات الصيدليات مرعب، حيث تم رصد 1256 مخالفة للصيدليات الأهلية خلال حملات الوزارة التفتيشية، و1646 مخالفة في بعض المراكز والعيادات الطبية الأهلية، ومحلات المكملات الغذائية خلال العام 2021 لوجود أدوية ومواد تجميلية غير مسجلة ومواد منتهية الصلاحية، وهذه مصيبة أخرى تحتاج من الوزارة إلى متابعة، وخصوصا في مجال التجميل والبشرة.
فرحنا بإطلاق أول مشروع في قطاع صناعة الأدوية بتمويلات أجنبية، وتدشين خط لإنتاج 26 منتجا تنفيذا لاتفاقية توطين تصنيع هذه المنتجات، وتأملنا أن يرسي قاعدة لقطاع إنتاج الأدوية بالبلاد عبر تكثيف الجهود لجذب الاستثمارات الخارجية لتقليص الاستيراد واستغلال القدرات الإنتاجية المتوافرة لهذه الصناعة المدرة للملايين، ولكن الأمور تذهب للأسوأ.
كل هذا لا يغير من واقع النقص الحاد في الأدوية، والذي هو مسؤولية وزارة الصحة التي قامت بشراء كميات كبيرة من الكمامات والقفازات خلال أزمة كورونا، ونسيت أن توفر الأمن الدوائي وخصوصا للأمراض المستعصية، فالكثير من المواطنين والمقيمين يتنقلون بين الصيدليات ولا يسمعون سوى عبارات «غير متوافر، خالص، مقطوع منذ فترة، هناك بديل»!
أدوية كثيرة تنقطع من السوق بلا مقدمات، ما دفع الكثيرين إلى طلبها من الخارج لعدم توافرها، هل يعقل هذا يا وزير الصحة؟!
أين الخطة الاستراتيجية لضمان الأمن الصحي؟! أين دواء كبار السن والمصابين بالسكري والسرطان والأمراض المزمنة، ما مصير هؤلاء اليوم؟!
أين الرقابة من هيئة الغذاء والدواء على الارتفاع الفاحش في الأسعار واختلاف السعر من صيدلية لأخرى، ومن دولة لأخرى بفرق قد يصل إلى 12 دينارا للمنتج الواحد أحيانا؟!
نسمع بسرقة الأدوية وتخزينها في منجرة، نسمع عن تسرب الأدوية من الوزارة، كل هذا يشير إلى وجود خلل إداري وعدم التحرك الجاد والمسؤول لإنقاذ الوضع المتردي في واقع توافر الدواء الذي لا يمكن بأي حال من الأحوال الاستغناء عنه.
الوزارة مطالبة اليوم بتشكيل فريق إنقاذ وإنشاء مصانع للأدوية تابعة للحكومة لا للقطاع الخاص، ودعم الدواء وتوفيره بأسرع وقت ممكن حتى لا نقع في مشكلات نحن في غنى عنها.