(وصيتي لكم أن تحرصوا على وحدة الصف في هذه الدولة العربية المتمسكة بدينها وتقاليدها وإنه ليسعدني في هذا اليوم الأغر من تاريخ بلادنا أن أقسم بالله العظيم أن أحترم الدستور وقوانين الدولة وأذود عن حريات الشعب ومصالحه وأمواله وأصون استقلال الوطن وسلامة أراضيه).. بهذا الخطاب التاريخي، افتتح المغفور له بإذن الله، الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، أول جلسة لمجلس أمة في الحياة الديموقراطية الكويتية عام 1963 وانتقال الكويت إلى نظام ديموقراطي تعددي يعطي الشعب الحق في المشاركة السياسية.
وإن كان الشيخ عبدالله السالم، رحمه الله، أبر بقسمه وأسس الديموقراطية الكويتية وبنى الدولة الحديثة وقفز بالكويت لمصاف الدول المتحضرة، إلى أن وافته المنية، ولكن الديموقراطية التي أسسها لم تكن بمستوى حلمه فقد عاشت الكثير من الإخفاقات والصدامات الحكومية النيابية، وأوعز البعض سبب تلك الخلافات إلى التدخل الحكومي في عمل المجلس وفي انتخابات الرئاسة والبعض يرى أن السبب هو التعسف في استخدام الأدوات الدستورية من قبل النواب، وآخرون يرون أن النظام الانتخابي سبب فهو نظام مبني على التقسيم القبلي والطائفي والفئوي، بينما يرى غيرهم أن منع تكوين الأحزاب جعلنا نعيش ديموقراطية ناقصة وأن الدوائر مقسمة حسب مصالح سياسية، ولهذه الأسباب وغيرها تم حل مجلس الأمة في الكثير من دوراته البرلمانية وتم تعطيل الدستور أكثر من مرة وحدثت صدامات متكررة بين الحكومة والمعارضة.
وبعد أكثر من 59 سنة من الخطاب التاريخي للشيخ عبدالله السالم، وفي تاريخ 22 يونيو 2022 ألقى سمو ولي العهد الشيخ مشعل الأحمد، حفظه الله، خطابا يصنف كأحد الخطابات التاريخية، أعلن فيه سموه حل مجلس الأمة ووقف التدخل الحكومي سواء التدخل في انتخابات رئاسة المجلس أو انتخابات اللجان وأوقف بذلك إحدى أهم المشاكل التي تعاني منها الديموقراطية الكويتية وهي التدخل الحكومي في أعمال مجلس الأمة وتكوين تيارات نيابية موالية للحكومة، وبدلا من أن يكون دور مجلس الأمة تشريعيا ورقابيا أصبح دوره تعزيزا وتأييدا لأعمال الحكومة حتى لو كان في أعمال الحكومة الكثير من التقصير.
وخطاب سمو ولي العهد يحمّل الشعب الكويتي مسؤولية كبيرة، فالكرة في ملعبهم فلا تدخل حكوميا ولا أموالا لكسب الولاءات ولا خدمات حكومية لكسب الناخبين وعلى الشعب أن يتحمل مسؤوليته في اختيار نواب يعملون على مصلحة الكويت أولا وأخيرا، نواب يضعون مصلحة المواطن بين أعينهم، نواب يشرّعون ويحاسبون من أجل الوطن والمواطن وإذا فشل المواطنون في اختياراتهم ولم يكونوا على قدر المسؤولية فوقتها، وكما جاء بخطاب سمو ولي العهد، لا تلوم السلطة بالكويت باتخاذ أي إجراء تراه مناسبا، ولسان الحال يقول أعطيناكم الفرصة وهيأنا لكم كل الأسباب ولكنكم اخترتم الاختيار الخاطئ.
اليوم وبعد 59 سنة من الديموقراطية تحتاج الكويت لمجلس أمة يصلح الكثير من التقصير نحتاج إلى حل جدري لمشكلة «البدون»، نحتاج إلى رقابة صارمة على المشاريع التنموية، ونحتاج إلى تفعيل خطط التنمية التي أصبحت حبرا على ورق، نحتاج إلى قانون يحمي الكفاءات الوظيفية ويمنع التعيينات القبلية والفئوية والطائفية، نحتاج إلى قوانين لحماية الأموال العامة وقوانين لتعديل التركيبة السكانية.
الكويت تأخرت كثيرا وتحتاج منا إلى حسن الاختيار لنعيد كويت النهضة والتنمية التي عشناها في زمن «أبوالدستور» ورائد النهضة الحديثة الشيخ عبدالله السالم، الكويت تحتاج إلى الكثير ولا يتحقق هذا الأمر إلا بمجلس أمة يملك قراراته التشريعية والرقابية.