قال تقرير صادر عن بنك الكويت الوطني ان المخاوف المتعلقة بدخول الاقتصاد العالمي في حالة ركود بسبب ارتفاع الأسعار وتزايد حدة تشديد الأوضاع المالية قد بدأت تتزايد.
وأثر رفع مجلس الاحتياطي الفيدرالي الأميركي سعر الفائدة بمقدار 75 نقطة أساس في يونيو والتصريحات الأخيرة لرئيس الاحتياطي الفيدرالي جيروم باول باعتبار الركود أحد الاحتمالات بشكل سلبي على الأسواق، مما حفز عمليات البيع عبر فئات الأصول المختلفة وأثر على أسعار النفط.
كما تزايدت المخاوف بشأن تراجع الطلب على النفط بسبب ارتفاع الأسعار، إذ قامت وكالة الطاقة الدولية، بوضع تلك الاعتبارات في تقديراتها للطلب على النفط، والتي تم خفضها عدة مرات منذ بداية العام.
كما تأثرت أسواق النفط بصدور بيانات النفط الأميركية، والتي كشفت عن تزايد مخزونات النفط التجارية للأسبوع الثاني على التوالي في الولايات المتحدة (+1.9 مليون برميل إلى 418.7 مليون برميل)، وتراجع عمليات التكرير وانخفاض المستويات الموسمية للطلب على البنزين إلى أدنى مستوياتها، مما يدل على أن ارتفاع أسعار الوقود إلى مستويات قياسية قلص الطلب مع بداية موسم القيادة الصيفي في الولايات المتحدة.
وتجاوزت أسعار التجزئة للبنزين 5 دولارات للغالون في الولايات المتحدة، مما أجبر الرئيس بايدن على اتخاذ خطوة غير اعتيادية باقتراح تعليق الضريبة الفيدرالية على البنزين لمدة ثلاثة أشهر.
ما تزال الأسواق تعاني من تشديد الأوضاع خاصة فيما يتعلق بإمدادات النفط الخام والمنتجات المكررة. ولا تزال العقود الآجلة لمزيج خام برنت في حالة «الميل للتراجع»، والذي تكون خلاله الأسعار على المدى القريب أعلى من الأسعار الأطول أجلا.
وفي واقع الأمر، اتسعت الفروق السعرية للعقود الآجلة للنفط (تسليم شهر واحد وشهرين)، وهو فرق السعر بين أقرب عقدين لمزيج خام برنت، في الأيام الأخيرة إلى أكثر من 4.0 دولارات للبرميل.
وبعد خفض وكالة الطاقة الدولية تقديراتها لنمو الطلب على النفط للشهر الخامس على التوالي، تتوقع الآن ارتفاع الطلب العالمي على النفط بمقدار 1.8 مليون برميل يوميا إلى 99.4 مليون برميل يوميا في عام 2022، في تباطؤ ملحوظ مقارنة بتوقعاتها السابقة البالغة 3.3 مليون برميل يوميا في بداية العام.
ومن بين التوقعات الصادرة عن وكالات الطاقة وشركات البحوث، ربما تكون وكالة الطاقة الدولية هي الأكثر تحفظا.
وقدرت إدارة معلومات الطاقة الأميركية نمو الطلب بمستويات أعلى قليلا، إذ ترى وصول الطلب إلى 2.2 مليون يوميا هذا العام، في حين تتوقع الأوبك أن يكون النمو أقوى بكثير بمقدار 3.4 ملايين برميل يوميا.
وهناك تباين واضح بين آراء الوكالات المختلفة فيما يتعلق بمدى تأثر الاقتصاد الصيني سلبا على خلفية تدابير الاغلاق المطولة لاحتواء تفشي فيروس كوفيد-19، وتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي بسبب الضغوط التضخمية والتداعيات الاقتصادية المباشرة للصراع بين روسيا وأوكرانيا.
ووفقا لوكالة الطاقة الدولية، من المفترض أن يشهد عام 2023 ارتفاع استهلاك النفط من الصين بعد عودة فتح اقتصادها مرة أخرى، مما يؤدي إلى زيادة الطلب على النفط إلى 2.2 مليون برميل يوميا، وهو الأمر الذي يعزز الطلب العالمي على النفط ليتجاوز أخيرا مستويات ما قبل الجائحة بوصوله إلى مستوى 101.6 مليون برميل يوميا.
وستنتقل التغييرات الضمنية لمستويات المخزون من بناء المخزونات في الفترة الممتدة ما بين الربعين الثاني إلى الرابع من عام 2022 إلى السحب من المخزن في عام 2023.
وعلى جانب العرض، تواصل الأوپيك وحلفاؤها جهود رفع إمدادات السوق بالوتيرة التي حددتها في جدول الانتاج. إذ بلغ إنتاج الأوپيك وحلفائها (باستثناء ليبيا وإيران وفنزويلا والمكسيك) 37.6 مليون برميل يوميا في مايو.
بينما زادت المجموعة الإمدادات بمقدار 335 ألف برميل يوميا في أبريل، وبقي مستوى الإنتاج الإجمالي أقل من المستوى المستهدف في مايو بمقدار 2.75 مليون برميل يوميا، مع استمرار تأخر المجموعة عن الوفاء بالزيادات المقررة بعد زيادة الحصة الشهرية إلى 432 ألف برميل يوميا مقابل 400 ألف برميل يوميا في ذلك الشهر.
وبطبيعة الحال، يعد تقليص الإنتاج الروسي - بنحو 750 ألف برميل يوميا في مايو، وفقا لبلاتس - بسبب العقوبات الذاتية، من أبرز العوامل الرئيسية، إلا أن عدم قدرة الدول الأعضاء للأوبك وحلفائها على زيادة معدلات الإنتاج الشهرية بما يتماشى مع مستويات الحصص المقررة كان من المسائل التي طال أمدها.
في حين كان لعمليات الصيانة والاضطرابات الناجمة عن الحرب الأهلية وأعمال التخريب دور بلا شك، إلا أن للتراجع أسباب أخرى تشمل أيضا قلة الاستثمارات الموجهة لإنتاج حقول النفط وصيانتها، وبقيت وكالة الطاقة الدولية تحذر من هذا الاحتمال لعدة سنوات حتى قبل أن تتسبب الجائحة في انهيار الأسعار في عام 2020.
وضمن أعضاء الأوبك، تكبدت أنجولا ونيجيريا خسائر كبيرة في الإنتاج.
واستجابة لدعوات المجتمع الدولي للحد من النقص المستمر للإمدادات العالمية، اتفق وزراء الأوبك وحلفائها في اجتماعهم المنعقد في بداية شهر يونيو الجاري على تسريع وتيرة زيادات الانتاج المقررة. وكانت المجموعة قد قررت إضافة 216 ألف برميل يوميا للزيادة المقررة (إلى 648 ألف برميل يوميا) في شهري يوليو وأغسطس.
وبصفة رئيسية، بدلا من إشارة هذا القرار إلى إمدادات جديدة، فإنه - إذا تم تنفيذه بالفعل – سيوفر شهرا واحدا فقط مقارنة بسبتمبر، وهو التاريخ الذي كان سيتم فيه عكس جميع قرارات خفض الإمدادات أثناء الجائحة وعودة إنتاج الأوپيك وحلفائها إلى مستويات ما قبل الجائحة.
إلا أنه حتى يتسنى للأوپيك وحلفائها تقديم إمدادات جديدة إلى السوق، يجب أولا مناقشة تفاصيل اتفاقية جديدة، الأمر الذي قد يتطلب على الأرجح موافقة روسيا، وهو ما قد يكون صعبا في ظل تأثر إنتاجها بالعقوبات.
ومن غير الواضح أيضا وضع حدود الأساس المرجعية لزيادات لإنتاج التي تم التفاوض عليها في يوليو 2021، والتي كان من المفترض أن يتم تطبيقها اعتبارا من مايو.
إلا أن المستويات المقترحة - 11.5 مليون برميل يوميا للسعودية وروسيا، و2.96 مليون برميل يوميا للكويت، و3.5 ملايين برميل يوميا للإمارات و4.8 ملايين برميل يوميا للعراق - نادرا ما تم الوصول إليها من خلال الإنتاج المحلي وحده.
واكتسبت قضية الطاقة الفائضة أهمية متزايدة في الأشهر الأخيرة نظرا لنقص امدادات الأوپيك وحلفائها.
وسلطت وكالة الطاقة الدولية الضوء على تلك النقطة في تقريرها الأخير، إذ رأت أن العرض العالمي في عام 2023 سيواجه تحديات لمواكبة الطلب.
وتطالب الوكالة الأوبك في عام 2023 برفع مستوى الإنتاج (العرض الذي ستحتاج الأوپيك توفيره لموازنة الطلب) لمستوى 30.52 مليون برميل يوميا، مما يعتبر أعلى بكثير من الإنتاج الحالي البالغ 28.5 مليون برميل يوميا ولا يزال يتجاوز مستوى الامدادات بعد التخلص من كافة خطط خفض الإنتاج في أغسطس.
وقد تنخفض الطاقة الاحتياطية للأوپيك لتصل إلى نحو 1.2 مليون برميل يوميا في عام 2023، والتي يلتزم بها في الأغلب السعودية والإمارات ويعتبر مستوى ضعيف من المخزون بما لا يكفي لتعويض أي صدمات محتملة قد يتعرض لها العرض في المستقبل للحيلولة دون تقلب أسعار النفط.
وعلى الرغم من إشارة التوقعات إلى تراجع نمو الطلب على النفط في النصف الثاني من عام 2022، إلا أننا ما زلنا نرى أسعار النفط فوق مستوى 100 دولار للبرميل على خلفية تشديد أوضاع الاسواق.
وسيتطلب الأمر زيادة الإمدادات من خارج مجموعة الأوپيك وحلفائها، خاصة من الولايات المتحدة، التي تمكنت حتى الآن من تحقيق زيادات تراكمية في الإنتاج فقط، للمساعدة في توافر الامدادات في السوق وموازنة خسائر الإمدادات الروسية المتوقعة بمجرد بدء حظر الاتحاد الأوروبي بالكامل.
من جهة أخرى، لا تزال الإمدادات الإضافية من إيران، والتي تأتي في المرتبة الثانية بعد السعودية من حيث الطاقة الاحتياطية المتاحة، غير مؤكدة على الرغم من ورود أنباء عن استئناف المحادثات النووية المتوقفة.