لم يعد مشهدا مفاجئا لنا كمراجعين في عدد من وزارات الدولة أن نرى موظفين حكوميين ومراجعين يستغلون سلالم المؤسسات الحكومية للتدخين، والتي خصصت في الأصل للتنقل بين الأدوار مشيا على الأرجل وتفادي زحام المصاعد.
هذه السلالم باتت بيئة قذرة مملوءة بآثار التدخين، ومكانا خانقا لبث السموم والأمراض التنفسية، ومحطة لهدر أوقات الدوام الرسمي المدفوع أجره.
غياب واضح من عيون هيئة البيئة، وإدارات الشؤون الإدارية المسؤولة عن إدارة المرافق الحكومية، وعن ضبط هؤلاء المتسربين من الواجب، النافثين سمومهم في أماكن مغلقة، لتدمير صحتهم وصحة كل مراجع وموظف يستخدم السلم للمشي والصعود والهبوط.
الأمر يستلزم دق ناقوس الخطر، ويستدعي تحمل المسؤولية من كل وزير ووكيل ومدير شؤون إدارية ومسؤول الأمن والحراسة، بل تركيب أجهزة إنذار داخل هذه السلالم المغلقة التي نقصدها في الأوقات العادية وحال حدوث طارئ لا سمح الله. اليوم بدل أن تكون سلالم الوزارات مكانا مواتيا للمشي واستخدام الأرجل، أصبحت بيئة طاردة وعدوة للبيئة والصحة العامة.
لا يمكن تصور أن يكون أحد المباني الوزارية الرائعة معماريا متأخرا بيئيا، وبعض سلالمه أشبه بمداخن عفنة لا تشجع على المشي، فكيف نقبل بهذه المهزلة؟
أليس من الأجدى منع المدخنين من استخدام المرافق المغلقة لنفث سمومهم؟ ألا يجدر تخصيص أماكن مغلقة في الهواء الطلق لهم طالما رضينا ببلائهم عافانا الله وإياهم منه؟ هل نحن مرغمون على استنشاق أدخنتهم ونقبل بهذا التدخين السلبي وبما يصيبنا من أذى وأمراض القلب والسرطان؟
هناك مرسوم بقانون رقم 15 لسنة 1995 لمكافحة التدخين، وقانون رقم 42 لسنة 2014 لحماية البيئة، وضبطيات قضائية، ولكن الظاهر أن هذه القوانين غائبة عندما يتخذ الموظفون الباشوات من السلالم غير المراقبة مكانا للتسلية وإضاعة الوقت، وعندما نطبق القانون سنعزز من فرص تقليل التعرض لدخان السجائر بنسبة كبيرة.
في ساوباولو بالبرازيل، انخفضت الأزمات القلبية 5.4% خلال 3 أشهر من تطبيق قانون شامل لحظر التدخين، وانخفضت الوفيات بنسبة 11.9% خلال 17 شهرا من تطبيق القانون.
وفي أوروغواي، انخفضت حالات دخول المستشفى للإصابة بأزمة قلبية بنسبة 22% بعد عامين من تطبيق قانون حظر التدخين القومي الشامل.
أقسام الشؤون الإدارية مسؤوليتهم أن يتابعوا ويراقبوا، ويخصصوا ميزانية لتركيب كاميرات المراقبة، وعدم اللجوء إلى تخصيص غرف للتدخين لأنها تخالف قواعد منظمة الصحة العالمية بشأن مكافحة التبغ التي تعتمد عدم السماح بتصميم مساحات للتدخين في الأماكن داخل المباني.
الوزراء الكرام، نريد داخل مباني وزاراتكم هواء نقيا، ونظافة عامة وبيئة منعشة في كل المرافق الممرات والسلالم والمداخل والمخارج، نريد منكم تشديد العقوبات والجزاءات فالصحة والسلامة فوق كل الأهواء، أما أن يترك الموظف عمله، وينتظره المراجعون، ويسرح ويمرح في السلالم، ينفث سمومه ليتنفسها الآخرون، فهذا تصرف مرفوض ومخالف للقوانين!
في الختام.. حكومات الدول المتقدمة والأمم المتحضرة، يحترمون الوقت، يخصصون وقتا لشرب الشاي بمصطلح Time tea ولا يسمحون بهدر الأوقات في تدخين السجائر، يمنحون للمدخنين مكانا معينا خارج المباني، فالعمل لدينا نحن المسلمين عبادة، ولا ضرر ولا ضرار، وكل ما أتمناه أن نصبح قدوة للآخرين،، لا أن يكونوا قدوة لنا.