ما أكثر البيوت المبنية من زجاج وما أن ترمى بالحجارة حتى تتهشم، إن هذا المثل مثل رصين رزين عند أهل الرصانة والرزانة: إن كان بيتك من زجاج لا ترم الناس بالحجارة، ولكن المثل لا يعجب بعض الناس ممن أتحدث عنهم، والحق لا يستحى منه، هؤلاء الناس هم الذين نصبوا أنفسهم مصلحين اجتماعيين، وأداروا ظهورهم للحق وساروا خلف أهوائهم وكشروا عن أنيابهم وتتبعوا أخطاء الناس.
ومع ذلك فهل فينا نحن البشر من هو خال من العيوب؟ أم هل فينا من هو سالم من الخطأ؟، كلنا نخطئ والله وحده الكامل سبحانه وتعالى، وقد رأيت وتابعت كثيرا من الانتقادات لشخصيات عامة لها ثقلها في المجتمع بالصادر والوارد وبأدلة تكاد تكون أوهى من خيوط العنكبوت، وفي هذه الانتقادات إجحاف واضح، وتجن متعمد، وإسفاف مقيت، فهل هذا الجهبذ المنتقد لو كان مكان من انتقده سيكون أفضل منه؟ أو سيفعل ما لم يفعله؟
إن من يده في النار ليس كمن يده في الماء وليس المخبر كالمعاين، وبلا شك لن يكون أفضل حالا منه ولله در المتوكل الليثي حيث يقول:
يا أيها الرجل المعلم غيره
هلا لنفسك كان ذا التعليم
تصف الدواء لذي السقام وذي الضنا
كيما يصح به وأنت سقيم
ونراك تصلح بالرشاد عقولنا
أبدا وأنت من الرشاد عقيم
لقد أصبح النقد أسهل ما يكون عند هؤلاء الناس ولا أبالغ إذا قلت كشرب كوب ماء وليس مهما عند من ينتقد أن يعرف من انتقده المهم أظهر للناس بأي صورة ولا مانع أن أكون بصورة الشتام السباب اللعان، وهي صورة قاتمة.
وليس هذا فحسب بل يظهرون أنفسهم أنهم أهل الفهم وحدهم ومن سواهم صفر على الشمال، وإذا رأيت ما يقولونه خيل لك أنهم يتصدون إلى منكر أو فساد، والجديد الغريب في الأمر أنه انضوى إلى هؤلاء بعض من حملة الشهادات العليا، فأين هؤلاء من قول النبي صلى الله عليه وسلم «إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق» وقوله أيضا: «ليس المؤمن بالطعان ولا باللعان ولا الفاحش ولا البذيء»، فليس من حقي وحقك أن نسب أحدا وعلى الملأ إلا إن كنت ترضى بذلك على نفسك حينئذ تكون بلا خلق ولا خلاق، اختلف معي كما شئت ولا تتعرض لشخصي وتظلمني وتقول فيما ليس في.
ما بالنا اليوم صرنا نتسابق على سب الناس لأقل الأسباب حتى صارت هذه الصفة المشينة صفة نتباهى بها، وكأنها وشاح نصر أو رتبة عالية؟!
آن لهذه الظاهرة أن تنتهي، وأن تذهب إلى حيث حلت رحالها أم قشعم، فنحن لم نجبل على السب واللعن وإنما على مكارم الأخلاق. ودمتم سالمين.