رحيل بوريس جونسون زعيم حزب المحافظين ورئيس وزراء بريطانيا يفرض نفسه الآن على مواقع الأخبار والتحليل، فماذا لو كان التحليل بعيون عربية من شعوب تنظر إلى عراقة الديموقراطية الأم في بريطانيا وتقارن دائما بين الممارسات هنا وهناك؛ لأن هناك دروسا مستفادة ولكن لا نتوقف عندها كثيرا. ومن بينها هذا الحدث الذي مر دون هتافات أو ردود أفعال مثل «بالروح والدم نفديك يا جونسون» أو «نحن جميعا جونسون» أو أن هناك مؤامرة خارجية من أعداء الوطن تستهدف جونسون أو غيرها من التبريرات بعيون وليس بفكر عربي في هذا العقد من الزمان.
وقد تكون هناك أحداث وليست أخطاء؛ لأن القائد لدينا لا يخطئ، قد تحملها جونسون وأدت إلى سقوطه السياسي المدوي الذي نشهده الآن وهي أحداث عامة وخاصة ولكنها لا تمس الزعيم ولا قدراته على الاستمرار في تحمل مسؤولية القيادة ورسم سطورها في دولة عريقة الديموقراطية وقد حملت لواءها إلى معظم أنحاء العالم على الرغم من تاريخها الاستعماري المعروف.
فهل ينتبه مفكرو العالم من أصحاب الميول الديموقراطية والإعجاب بالديموقراطية العريقة في بريطانيا إلى كلمات السر التي أدت إلى سقوط جونسون قبل أن تتلوث الديموقراطية العربية بأحداث مستوردة عبر الربيع العربي مثل حريق البوعزيزي في تونس أو باب العزيزية في ليبيا أو ميدان التحرير في مصر وغيرها من أحداث شهدناها وشهدها جونسون في أيام ليست ببعيدة في الزمان أو المكان، وكان ينبغي ألا تغيب عن حسابات جونسون كسياسي مخضرم في بلد عريق الديموقراطية.
وأصبحت كلمة الديموقراطية تتكرر الآن على جميع المواقع الإخبارية ولكنها بلغات مختلفة وبنوايا متعددة، فأحيانا يتحدث بها المستولون على السلطة وهم يعرفون جيدا أن شرعيتهم لا علاقة لها من قريب أو من بعيد بالديموقراطية التي تعني حكم الشعب للشعب ولصالح الشعب بينما شعوبهم خلف الأسوار وراء القيود على حرية الرأي والتعبير في عالم أصبحت السياسة تفتح أبوابا للغش والفساد وتصنع المنافقين في مدارس الانتهازية بين الحكومات والشعوب وتعطي الأمثلة عن ممارسات تسيء للديموقراطية شكلا ومضمونا.
وهذه النماذج للنفاق السياسي تزداد ضحاياه يوما بعد يوم بسبب التفسير المعيب للديموقراطية.