التراث عنوان الحضارة، وجزء من التاريخ القديم، وحماية الهوية الثقافية حصانة للهوية الوطنية، فكم من سرداب أو غرفة واسعة أوصالون عريض ضم تاريخا قديما لم يسمع أو يطلع عليه أحد، في حين تعرض ثياب وأحذية ورسائل وسيارات لأحد المشاهير في مشرق الأرض أو مغربها، ويبقى التراث حبيسا ينتظر من يخرجه للنور.
كثير من أبناء الكويت لديهم شغف بجمع كل ما هو قديم ونادر، وخصوصا خلال زياراتهم لدول العالم، فالموهبة والشغف يدفعان الكثيرين لتجميع المقتنيات الأثرية القديمة والعملات، ومخطوطات الكتب، وأول نسخة، والعدد الأول من المجلات والصحف، والأشياء الخاصة بالمشاهير، والسيارات الكلاسيكية، والطوابع، والأحجار، والأواني الفخارية والمعدنية، والأسلحة، والوسائل القتالية القديمة التي جمعت منذ العصور القديمة حتى العصر المملوكي والتركي والانجليزي.
ولأن الشغف مستمر وراء جمع التراث المحلي والخليجي والعالمي قامت بعض الأسر والمجموعات وأحيانا الأفراد بافتتاح متاحف خاصة أو تنظيم معارض لمنتجاتها، كما فعل أخيرا أعضاء اللجنة الوطنية للمتاحف: فهد غازي العبدالجليل، ونواف العصفور، وصالح المسباح المريخي، وسعدون مطلق السوارج، وهاني العسعوسي، وابتسام العصفور، وسالم المسباح، والباحث وليد العوض، والباحث في التراث يوسف يعقوب المسباح والباحث ناصر الناصر، وغيرهم الذين قاموا بجهود فردية ومشكورة بتنظيم معارض خاصة بمقتنياتهم بالتزامن مع اليوم العالمي للمتاحف، ولدى بعضهم كتب يعود تاريخها إلى 1800، ولكن هذه المبادرات فردية لم تحقق أهدافها الكبيرة، فالمعروضات لم تغادر جدرانها، ولم تتجاوز حدود الكويت.
هؤلاء لا يحصلون على دعم، وما يقومون به جهد فردي لتقديم المتعة الثقافية والتعريف بما لديهم من ممتلكات ومقتنيات مميزة وفريدة، ولعل الأحق بهذه الأموال أسرهم وحياتهم الشخصية، والأولى بهذا النشاط والدعم هي الدولة والجهات المعنية فيها، فهؤلاء أبناء الكويت الذين يرفعون اسمها عاليا ويستحقون الدعم والتكريم.
نسمع بمتاحف جوالة، وبأن متحفا عالميا مثل اللوفر في فرنسا يفتح أبوابه أمام استقبال معروضات نادرة تستقطب جمهورا عريضا من عشاق التحف والمقتنيات الأثرية وغيرها، وهناك متاحف تستقطب الكتب القديمة والإصدارات الأولى من الصحف والمجلات، وأخرى للأنتيك وتلقى دعما استثنائيا من الدولة لأنها تعتبرها جزءا مساهما في الاقتصاد الوطني.
مدخولات بعض المتاحف خيالية، وهذا دافع مشجع لنا في الكويت أن تكون لنا بصمة في هذا الإطار، من خلال دعم المتاحف، والصالونات، ودعوة كل من لديه قطعة نادرة أو كتاب فريد أو مخطوط أو شيء ينفرد به عن غيره للمشاركة في متحف متخصص بإشراف الدولة، وتحمل كل قطعة اسم صاحبها لتجول العالم كله، فيتعرف المهتمون على مقتنيات أبناء الكويت، ما يعلي شأن الكويت ثقافيا، ويخرج ما في بطون السراديب والبيوت من كنوز مخبوءة، أكل الزمان عليها وشرب.
للأسف حتى الآن لا نجد في الدولة من يتبنى هذا الطرح، وجميع ما نسمع عنه مساهمات فردية أو جماعية، في حين يعتبر هذا أمرا مهما في الانتشار المحلي والعالمي، ويستقطب السياح من كل دول العالم، وبالإمكان إدراجه ضمن الدراما المحلية للتعرف عليه أكثر.
ما أطالب به حق ثقافي ووطني، وإهماله طمس للهوية، والدعم الحكومي له لا يقل أهمية عن دعم الماء والكهرباء، فهو شريان ينبض بالحياة وقطعه جريمة، والاكتفاء بالمبادرات الفردية قد ينتهي برحيل أصحابها، في حين يبقى ما تشرف عليه الدولة وترعاه.