بيروت - عمر حبنجر:
احتدم الصراع الحكومي في لبنان بين فريق رئيس الجمهورية ميشال عون ورئيس الحكومة المكلف نجيب ميقاتي، وخرج من دائرة «المصادر» الى البيانات المباشرة والتصريحات الصوتية، ليتلاقى مع مناخ الحرب الإقليمية، التي لوح بها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، ما بين أغسطس وسبتمبر المقبلين، في حال قررت إسرائيل التفرد باستخراج الغاز من الحقول البحرية غير المتفق عليها مع لبنان.
وفي العادة يتحدث نصرالله عن الحرب بعد حدوثها، أو في ذكراها، بعكس ما حصل امس الأول، حيث تحدث عن الحرب، في حقل كاريش النفطي «وما بعد بعد كاريش»، مكررا معادلة، «حيفا وما بعد بعد حيفا»، ومعتبرا ان الحرب أشرف من الوضع الراهن، وانه إذا وصلت الأمور الى الخواتيم السلبية فلن نقف بوجه إسرائيل فقط.
رئيس الحزب التقدمي الاشتراكي وليد جنبلاط غرد معلقا على كلام نصرالله بالقول: «ان تصريح السيد حسن نصرالله وضع حدا لإمكانية التفكير بالوصول الى تسوية حول الخط 23. لقد دخل لبنان في الحرب الروسية - الأوكرانية، لذا وتفاديا لاندلاعها فهل يمكن للسيد ان يحدد لنا ما هو المسموح وما هو الممنوع، وذلك افضل من ان نضيع الوقت في التخمين واحتياط المصرف المركزي يذوب في كل يوم».
على الصعيد الداخلي، بقي نصرالله ممسكا العصا من الوسط، خصوصا بين الرئيس عون وفريقه وبين ميقاتي، ولو انه وجه الملامة لرئيس حكومة تصريف الأعمال، بسبب البيان الذي صدر عنه وعن وزير الخارجية عبدالله بوحبيب، بنفض يد الحكومة من «مسيرات» حزب الله، التي أطلقت باتجاه منطقة كاريش معلنا عدم الالتزام بوقف الضغط على إسرائيل، لكنه أكد عدم التدخل بمفاوضات لبنان النفطية معها!
أما في الموضوع الرئاسي، فقد نقل أحد المواقع عن مرجع سوري كبير جوابا على سؤال حمله موفد لنصرالله، كما يبدو، حول الرئاسة اللبنانية، وفيه أجاب المرجع الذي يقال انه الرئيس السوري بشار الأسد شخصيا بقوله: «جبران باسيل عظامه طرية، وغير مضمون في بعض الملفات، لكن سليمان فرنجية واضح، وهو في خط محور المقاومة، وحليف صادق لسورية وله لدينا كل الثقة، ولا يطعن في الظهر من أجل الحصول على منصب وما بيوجعلنا راسنا».
والراهن ان المشكلة الرئاسية بين ميقاتي وباسيل، جرحها أعمق، فباسيل يرى ان ميقاتي لا يريد تشكيل حكومة جديدة، ويعمل على اجتهادات دستورية لتعويم حكومته المستقيلة، لأنه لا يريد حكومة تعمل في نهاية هذا العهد. وميقاتي يرد انه طلب موعدا من القصر الجمهوري قبل 10 أيام، لإبلاغ الرئيس عون تعديلات على التشكيلة الحكومية، فاستمهل دقيقتين، وسرعان ما صارت الدقيقتان أسبوعين، ولم يتردد ميقاتي في مطالبة الرئيس عون بوقف ممارسة بعض المحيطين به والمقصود «رئيس الظل» جبران باسيل.
المصادر المتابعة، قاربت بين التصعيدين، تصعيد نصر الله باتجاه الحرب، والتصعيد الرئاسي من خلال باسيل ضد الرئيس المكلف، لتصل الى نتيجة، ان اي حرب تقع في لبنان او في مياهه قبيل انتهاء ولاية عون في 31 أكتوبر، تشكل مدعاة لبقائه في القصر الجمهوري.
وذكرت المصادر بمقولة الرئيس ميقاتي، عندما طالبه الفريق الرئاسي بتغيير حاكم مصرف لبنان رياض سلامة بالقول: لا يجوز تبديل الضابط أثناء المعركة».
وهذه المقولة، قد يسمعها الرئيس ميقاتي من فم جبران باسيل هذه المرة، علما ان المهلة التي أعطاها نصرالله، لمفاوضات ترسيم الحدود، يفترض ان تنتهي في 14 أغسطس، موعد إطلالته الجديدة احتفاء بيوم انتهاء حرب يوليو 2006.
ورد مكتب الإعلام في رئاسة الجمهورية عبر بيان على البيان الذي صدر عن مكتب ميقاتي أكد فيه ان موقف رئيس الجمهورية حيال مسألة تشكيل الحكومة ينطلق من معطيات أولها ان الدستور حدد صراحة الآلية الواجب اعتمادها في تشكيل الحكومات والتي تنص على ان رئيس الجمهورية «يصدر بالاتفاق مع رئيس الوزراء مرسوم تشكيل الحكومة ومراسيم قبول استقالة الوزراء أو إقالتهم»، وبالتالي فإن رئيس الجمهورية ليس في وارد التخلي عن شراكته الدستورية الكاملة في تأليف الحكومة، الأمر الذي يعني انه لا يكفي ان يقدم الرئيس المكلف تشكيلة حكومية هي خلاصة اقتناع تولد لديه نتيجة المعطيات المتوافرة، ومواقف الكتل والنواب والقيادات والشخصيات السياسية، بل ان لرئيس الجمهورية رأيه وملاحظاته، فهو مسؤول تجاه قسمه الدستوري وأمام الشعب، كما ان رئيس مجلس الوزراء مسؤول أمام مجلس النواب، وليس في الوارد لدى الرئيس عون التنازل عن هذه المسؤولية لأي سبب كان تماما كما ليس في حسابه قبول سياسة الفرض.
ثانيها، كان حول الموعد الذي طلبه الرئيس المكلف لزيارة قصر بعبدا، مؤكدا ان رئيس الجمهورية لم يقفل يوما باب القصر أمام أحد فكيف أمام الرئيس المكلف، وبرر عدم إعطاء الموعد بأن الرئيس كان ينتظر مقاربة جديدة من ميقاتي في ضوء الملاحظات التي كان أبداها على التشكيلة المقترحة، وأشار إلى أن ميقاتي اتصل بالرئيس عون قبل سفره وأفاده بأنه سيأتي لزيارته فور العودة.
ولم يتأخر رد مكتب الرئيس المكلف على بيان الرئاسة وجاء فيه أن ميقاتي «يثمن ما ورد في الفقرة الثالثة من البيان الرئاسي لجهة التنصل مما يقوم به بعض اللصقاء برئيس الجمهورية من اساءات، وهذا أمر ليس خافيا على أحد، كما يثمن تأكيد فخامة الرئيس الحرص على عدم الاساءة الى مقام رئاسة مجلس الوزراء».
وعلق على موضوع حق رئيس الجمهورية الدستوري بالقول إن ميقاتي «أعلن انه قدم تشكيلة حكومية تشكل خلاصة اتصالاته وبدا النقاش فيها مع فخامة الرئيس، وبالتالي فإن دولة الرئيس لم يقل يوما انه يريد أن يحجب عن رئيس الجمهورية الحق في ابداء رأيه وملاحظاته. فاقتضى التوضيح».
وفيما السياسيون مشغولون بمهاتراتهم حول الحكومة ينهمك المواطنون في البحث عن مصادر عيشهم، وسط إدارة حكومية معطلة بالكامل، بعد انضمام مديري الوحدات الإدارية في المالية العامة، الى الإضراب المفتوح لموظفي الدولة، احتجاجا على بؤس أوضاعهم المعيشية، ومطالبة بمساواة رواتبهم برواتب القضاة التي رفع حاكم البنك المركزي سعر دولار في تقديرها من 1500 إلى 8000 آلاف ليرة، الأمر الذي دفع باقي الموظفين عسكريين وإداريين إلى المطالبة بالمساواة مع القضاة، ودون تمييز وظيفي.
في غضون ذلك، المنظومة الحاكمة مستمرة في سياسة التخلي عن مسؤولياتها الرعائية لمواطنيها، عبر رفع الدعم عن السلع والخدمات الأساسية، دون ان تكلف نفسها العناء عن البحث في تصحيح الأجور أو تمكين الناس من الحصول على جزء من أموالهم المجمدة في المصارف.