الضمير رقيب باطني يسكن في أعماق الإنسان، هبة من الله للإنسان مثل إشارات المرور توجه السائق إلى ما يجب أن يفعله وينظم خطواته يقف أو يستمر في السير، والسائق حر بأن يطيع الإشارة أو يكسرها ويعاقب بغرامة.
أحيانا يكون قويا مع البعض، وضعيفا مع غيرهم، أحيانا يعمل وأحيانا يكون في إجازة مفتوحة أو قد يكون ضميرا مستترا أو غائبا أو مختلا في موازينه، وقد يكون للبعض ضميران: بأحدهما يحكم على نفسه بمنتهى التساهل وبالآخر يحكم على غيره بمنتهى التشدد في الموضوع الواحد.
في الظاهر يعتقد الإنسان منعدم الضمير أن هذا هو السبيل الوحيد للحياة، ويحاول أن يبرر انعدام ضميره، ولكن في الحقيقة انعدام ضميره يكون شرا له لا خيرا.
أما الشخص الذي يمتلك ضميرا يقظا فمبادئه ثابتة ويقينه راسخ ومعتقداته لا تتزعزع، ومثله العليا لا تفقد بريقها، وقيمه تخط له سير حياته، فيأبى التنازل عن قشة من رصيده الأخلاقي ولو بكنوز الأرض كلها، لا تهزه المساومات ولا تلعب به الرغبات.
علمتنا تجارب الحياة أن المصالح كثيرا ما تتعارض مع المبادئ وهو ما يفرض علينا أن نتخلى عن بعض مصالحنا صونا لمبادئنا.
يا للأسف نعيش أزمة انعدام الضمير وهي سبب كل هذه السلبيات والمشكلات والظواهر السلبية الدخيلة على مجتمعنا، والسبب الأهم في عرقلة مسيرة التنمية.
إذا خلوت الدهر يوما فلا تقل
خلوت ولكن قل علي رقيب
ولا تحسبن الله يغفل ساعة
ولا أن ما يخفى عليه يغيب
على المجتمع دق ناقوس الخطر تجاه هذه الأزمة، وضرورة إعمال الضمير في حياتنا، بمعنى ألا يكون مجرد عبارات وجمل وشعارات رنانة فحسب، إنما يكون بمنزلة قوة حقيقية نجد تأثيرها بيننا على أرض الواقع.
إن إملاءات ضميرنا اليوم هي التي غدا سوف تحدد مصيرنا وتكتب لنا تاريخنا، وإن ضاع الضمير هلكنا وهلكت معنا أوطاننا.
فمن لا يملك ضميرا لا يملك روحا.. أي انه شخص ميت.
الضمير اليقظ ينادي صاحبه دائما أن الله معك يسمع ويرى ويحاسب، وهو من مقام الإحسان «اعبد الله كأنك تراه فإن لم تكن تراه فإنه يراك»
وهو دائما ما يسأل نفسه: ماذا أفعل، ولماذا أفعل، ولمن أفعل؟
فلا حل جذريا لمشكلاتنا إلا بالعودة إلى إعمال الضمير في حياتنا من جديد، والتمسك بقيمنا وثوابتنا، حيث الأمانة والكرم، والتخلي عن الأنانية والجشع والخداع، فما أحوجنا إلى صحوة ضمير وإيقاظه من سباته العميق، عندها تستقيم الحياة ويتحقق التكافل الاجتماعي والرضا المجتمعي، ويتحقق الإصلاح والتطوير في مختلف المجالات.
إيقاظ الضمير مهمة مجتمعية صعبة لكنها ليست مستحيلة جديرة بالاهتمام والعمل، فهي وسيلتنا الوحيدة نحو مجتمع منتظم، وراق، وسليم ومنتج.
إذا أردنا أن يكون لهذا الضمير قوة فعل حقيقية، علينا أيضا ألا ننسى ما قاله نبينا الكريم، «إن خياركم أحسنكم قضاء»، فما أجمل من حفظ الحقوق، وليس هناك أجمل من الصدق والبر، ولا أفضل من الرحمة والأخلاق، ووصل الأرحام، تهذيب سلوكياتنا وتعاملاتنا، وهذه صفات دعت إليها كافة الأديان السماوية، وما أعظم من التحلي بهذه الصفات في ظل التحديات والأزمات والمتغيرات، وما أكثرها!
فالقلب الطاهر.. ضمير صالح.. وتدين بلا رياء.
عز الكلام: إذا مات الضمير استحال معه أي إصلاح، فكيف يصلح مجتمع، ولبنته الأولى التي هي الإنسان فاسدة؟!
[email protected]