من منطلق اهتمامها برصد الواقع الاقتصادي في الكويت، تصدر شركة «آراء للبحوث والاستشارات» مؤشرا شهريا لثقة المستهلك بالتعاون مع جريدة «الأنباء» وبرعاية شركة «لكزس»، حيث يعتبر مؤشر «ثقة المستهلك» المؤشر الوحيد الذي يقيس العوامل النفسية للمستهلك، مرتكزا على آراء الناس وتصوراتهم عن الوضع الاقتصادي الحالي والمستقبلي، وتوقعاتهم لأوضاعهم المالية.
ويرتكز المؤشر على بحث أجري على عينة مؤلفة من 500 شخص، موزعة على المواطنين والمقيمين العرب في مختلف المحافظات، حيث يتم إجراؤه بواسطة الهاتف من خلال اتصالات عشوائية، وتمت مراعاة أن تكون العينة مماثلة للتركيبة السكانية في الكويت.
وتستخلص نتائج كل مؤشر من المؤشرات الست بالاعتماد على إجابات أفراد العينة التي يحددها الاستبيان بـ «إيجابي» أو «سلبي» أو «حيادي»، ويتم تحديد نتائج المؤشرات في الشهر الأساس كمقياس للحالة النفسية للمستهلكين في الكويت، وهي تساوي 100 نقطة، وتكون هذه النقطة (الرقم 100) الحد الفاصل بين التفاؤل والتشاؤم لدى المستهلكين.
أصدرت شركة آراء للبحوث والاستشارات التسويقية مؤشرها لثقة المستهلك في الكويت لشهر يونيو 2022، وذلك بالتعاون مع جريدة «الأنباء» ورعاية «لكزس»، حيث عزز المؤشر العام معدله السابق مسجلا 109 نقاط رافعا رصيده الشهري 5 نقاط ومضيفا 7 نقاط على أساس سنوي.
وقبل تناول معطيات البحث وتحليل عوامل زيادة الثقة في أوساط المستهلكين في الكويت لا بد من الإشارة إلى مسألتين:
الأولى: الأهمية الاستثنائية التي تمنح لمستوى ثقة المستهلكين في دول العالم في الظروف المالية المعقدة لمعرفة الوقائع الاقتصادية والاجتماعية في مختلف القارات والدول ولاستشراف مسارها ونتائجها وكيفية معالجتها.
الثانية: التوصل لمعرفة ظاهرة الغلاء المستشري أكان على مستوى الوقود الذي يشكل الرافعة الأساسية لأسعار كافة المنتجات والسلع والمواد الغذائية التي طالت مختلف دول العالم، لاسيما منها الأكثر تطورا وصولا إلى الدول النامية والفقيرة التي تخشى من انعدام الأمن الغذائي لديها.
ويشكو العالم وخاصة الدول المتورطة مباشرة أو غير مباشرة في الاصطدام المسلح بين روسيا وأوكرانيا من التضخم النقدي ومخاطر الركود الاقتصادي وتقلص مستويات النمو، وتهتم حكومات تلك الدول ومؤسسات البحث بتحليل نتائج أبحاث ثقة المستهلك للاطلاع على مستوى معدلاتها وتأثير ذلك على ميول وقناعات المستهلكين وتحديد ماهية توجهاتهم المقبلة.
وانطلاقا من هذه الوقائع وغيرها تتميز دراسة ثقة المستهلك في الكويت لشهر يونيو 2022 بأنها مغايرة للأكثرية الساحقة من الدراسات المشابهة في أكثر الدول التي عكست تراجعات بارزة في مستويات الثقة وفي مواقف الرأي العام.
واللافت في مجريات البحث أن 23 مكونا مناطقيا واجتماعيا من كافة مكونات البحث 27 أبدوا تفاؤلهم ورفعوا من معدلات الثقة السابقة، كما ان كل المستطلعين خلال شهر يونيو 2022 أبدوا ثقتهم في التوقعات الاقتصادية المستقبلية كما عبروا عن قناعاتهم بزيادة مستوى المداخيل الفردية «رواتب وأجور» في المستقبل مقارنة بالدخل الحالي.
وسجل مؤشر الوضع الاقتصادي الحالي لشهر يونيو 2022 معدلا بلغ 95 نقطة بخسارة نقطتين من رصيده الشهري السابق وبإضافة 10 نقاط مقارنة بيونيو 2021.
ان الاستقرار النسبي للمعادلات الآنية لمؤشر الثقة بالوضع الاقتصادي الحالي في الكويت، يعتبر ظاهرة إيجابية نادرة في مرحلة تعصف في معظم القارات والدول معالم التضخم النقدي بمقاييس مرتفعة، مع ارتفاعات غير مسبوقة للأسعار وتعثر سلاسل الإمداد، بالإضافة الى التراجع الحاد في مختلف الأسواق المالية نتيجة رفع معدلات الفوائد المصرفية في الولايات المتحدة الأميركية التي جذبت كتلة كبيرة من الرساميل بحثا عن الملاذ الآمن والربح الريعي المضمون، مما أدى إلى خلل في أسواق المال العالمية وتراجع أسعار السندات وانخفاض أحجام السيولة في القطاعات المنتجة.
هذا فضلا عن تراجع أسعار العملات عامة واليورو خاصة عاكسا مدى التخبط الاقتصادي العالمي، ومع ذلك فإن الثقة في الكويت تحافظ على مستوياتها مستندة بالدرجة الأولى الى ارتفاع أسعار النفط، حيث بلغ المعدل الوسطي لسعر البرميل في أبريل ومايو، 112 دولارا، بالإضافة الى ذلك ارتفعت حصة الكويت من النفط بناء على قرارات منظمة أوپيك إلى 2.7 مليون برميل يوميا.
هذه المداخيل شكلت حصنا منيعا للأوضاع الاقتصادية والمالية في الكويت، مما ساهم في صمود البورصة وحجم ودائع المصارف التي بلغت 46.7 مليار دينار.
رفع المواطنون معدلهم السابق 4 نقاط والمقيمون العرب 5 نقاط، بينما تراجع معدل العاصمة 8 نقاط ومحافظة الجهراء 13 نقطة.
الملاحظ تراجع معدلات بعض الفئات العاملة بنسب مرتفعة، فئة العمالة ذات الدراسات بمستوى متوسط وما دون تراجع رصيدها 25 نقطة، وفئة العمالة ذات مستوى الدراسة دبلوم خسرت 27 نقطة من رصيدها الشهري.
يبدو ان العمالة الأقل كفاءة علمية أو مهنية تتعرض لبعض الصعوبات أدت الى تراجع مستوى ثقتها في الوضع الاقتصادي الحالي، ولا بد من متابعة هذه الظاهرة في الأشهر المقبلة.
فوائض ضخمة
سجل مؤشر الوضع الاقتصادي المتوقع مستقبلا خلال شهر يونيو 2022 معدلا بلغ 114 نقطة معززا رصيده الشهري السابق 16 نقطة، وبإضافة 9 نقاط على أساس سنوي.
اللافت هو تفرد ثقة المستهلك في الكويت مع بعض الدول الأخرى المنتجة للنفط بارتفاع معدلات الثقة بين المستهلكين في ظروف عالمية خطيرة وغير ملائمة وانتشار القلق بالشؤون الاقتصادية المستقبلية بما في ذلك في الدول الأكثر تطورا. أكدت مؤسسة موديز للتصنيف العالمي ان الكويت ستؤمن فوائض ضخمة خلال العامين المقبلين متجاوزة بذلك مرحلة العجز في الموازنات السنوية السابقة. ضمن هذا السياق العام أكد معظم فئات الموظفين والعمال ثقتها بالأوضاع الاقتصادية في المستقبل حيث تتراوح زيادة المعدلات الشهرية السابقة لهذه الفئات بين 69 نقطة لذوي الرواتب الأعلى و45 نقطة من ذوي الدراسة الجامعية.
وتراوحت زيادة المعدلات الأخرى بين 18 و43 نقطة إضافية خلال شهر. بينما تراجع معدل مؤشر الوضع الاقتصادي المتوقع 32 نقطة في أوساط ذوي العمالة ذات مستوى الدراسة المتوسط وما دون.
وسجل المواطنون معدلا بلغ 103 نقاط بإضافة 17 نقطة خلال شهر كما عزز المقيمون العرب رصيدهم السابق بـ 15 نقطة، مع الإشارة إلى ارتفاع معدل الشباب 27 نقطة، معبرين بذلك على ارتفاع مستوى ثقتهم بالأوضاع الاقتصادية المتوقعة، وبلغ متوسط الدخل الفردي السنوي في الكويت 45 ألف دولار.
1.8 مليار دينار قروضاً استهلاكية خلال 4 أشهر
سجل مؤشر شراء المنتجات المعمرة 107 نقاط، مضيفا 15 نقطة على معدله الشهري مع تراجع سنوي بلغ 17 نقطة. من اللافت ارتفاع مستوى الاستهلاك خلال شهر يونيو بالرغم من الأزمات الاقتصادية والمالية العالمية العاصفة وتداعياتها التي تجلت بارتفاع الأسعار بنسب غير مسبوقة وتراجع القيمة الشرائية للعملات في شتى أصقاع الأرض. مما لا شك فيه ان بداية موسم الصيف وما يرافقه من سفر لشرائح واسعة من المجتمع الكويتي من جهة وحلول عيد الأضحى المبارك في الثلث الأول من شهر يوليو رفعا مستويات الإنفاق تلبية للتقاليد المباركة والعادات التي يمارسها القسم الأكبر من الشعب الكويتي.
أما التراجع على المستوى السنوي فهو من بديهيات التطورات السلبية في مختلف المناطق وخاصة نتيجة الصراع العسكري بين روسيا وأوكرانيا وما أنتجته من عقوبات متبادلة وجدت خللا في سلاسل التوريد وفي مستوى الأسعار وأثرت سلبا على مستوى الاستهلاك في العالم وصولا الى تردي الأوضاع في بعض الدول.