- ما يدعو للفخر أن أبناء هذا الوطن قاموا بالتوجيه والوعظ في أكثر المساجد إن لم يكن في جميعها ما يدعونا إلى الاهتمام بتلك الطاقات الشبابية الوطنية التي برزت في الأزمة
ليلى الشافعي
يروي لنا د.عجيل النشمي حادثة وقعت له خلال محنة الابتلاء التي نزلت بدولة الكويت وأهلها خلال الغزو العراقي، يقول د.النشمي: كنا في لجنة الفتوى لحركة المرابطين وهي تنقسم إلى قسمين: الشق المدني المتمثل بلجان التكافل، والشق العسكري المتمثل بحركة المقاومة الشعبية، وكانت الأسئلة من الجناحين تأتينا، ومن تلك الأسئلة: هل يجوز قتل الجندي العراقي؟ ما حكم أسراهم هل يقتلون؟ كما كانت تأتينا أسئلة من أسرانا في العراق من سجني البصرة وبعقوبة، وذلك من زيارات الإخوة المتفرغين للاتصال بالأسرى هناك وكانت أسئلتهم عن القصر والجمع في الصلاة! وهل صلاة الجمعة واجبة عليهم؟
الشاهد أننا في تلك اللجنة كتبنا موضوعا حول حكم قتل العراقيين، ورسالة أخرى كانت عن حكم الاستعانة بغير المسلمين على العراقيين، وذلك بعد وصول سؤالين للجنة حول هذين الموضوعين.
جهزت الأسئلة وإجاباتها بأوراق ووضعتها على الطاولة استعدادا لحضور أعضاء اللجنة لدراستها بالتفصيل وإقرارها، وحصل ما لم يكن في الحسبان، إذ طوق العراقيون بيوتنا ودخلوا للتفتيش، ويقدر الله عز وجل ألا أنتبه إلى الأوراق المهمة التي أعددتها لاجتماع لجنة الفتوى، ولحكمة يريدها الله عز وجل يدخل الضابط الى تلك الغرفة ويقف أمام المكتب ويمد يده ليتناول الأوراق التي على الطاولة والأوراق الخطرة أمامه، وأنا على يقين أنه سوف يقرأ هذه الأوراق، وما هي الا لحظات وأكون في موقف لا أجد له جوابا ولا مفرا منه!
وأضاف د.النشمي: طبعا لا أملك أي إجابة، فلقد كانت تلك الأوراق كافية لحكم الإعدام وهي العقوبة الوحيدة التي اعتدناها.
وقف الضابط وأخذ يقرأ بعض الأوراق فيأخذ هذه الورقة ويتركها ويأخذ الأخرى ويتركها، والورقتان المهمتان أمام عينيه، ولكن الله عز وجل جعل على عينيه غشاوة، فكان هذا من رحمة الله ولطفه.
تضحية الخطباء والأطباء
وعن التضحيات التي تجلت في الأزمة وتمنى فضيلته ألا تنسى؟ قال: بودي أن أسلط الضوء على بعض تلك التضحيات، أولا تضحية الخطباء، وثانيا تضحية الأطباء، وأرجو ألا تنسى تضحياتهم مع مرور الأيام.
وقال: كان دور المساجد والخطباء كبيرا جدا ولا أبالغ ان قلت: كان المسجد مكان ومنطلق التجمع وكنت ترى المصلين يحرصون على الحضور قبل الأذان ويمكثون بعده فترات طويلة.
وقام أئمة المساجد بتثبيت الناس وكانت هناك لجنة شرعية تتابع أعمال القائمين على المساجد وتحاول أن توفر ما يحتاج إليه الوعاظ من ترشيح للموضوعات التي تناسب الحوادث وحاجة الناس.
ومما يدعو للفخر أن ابناء هذا الوطن قاموا بالتوجيه والوعظ في أكثر المساجد، إن لم يكن في جميعها، وهو الأمر الذي يدعونا إلى الاهتمام بتلك الطاقات الشبابية الوطنية والتي برزت في الأزمة، ورغم المضايقات والمخاطر التي كانت تعترض الائمة والخطباء الا انهم وبحمد الله استطاعوا ان يثبتوا ويثبّتوا من خلفهم.
وأشار د.النشمي الى بعض الحيل التي استخدمها الكثير من الائمة، وهي انهم كانوا لا يصلون في مساجدهم بشكل ثابت ومنتظم، بل كانوا يتنقلون من مسجد إلى آخر، وبذلك التناوب والتنقل تخلص الائمة من محاسبة العدو لهم في عملية الحصر لما في المساجد وكانت الادعية الحارة الصادقة في أغلب الفروض تزعج وترعب المحتل، وكان الوعاظ والائمة يقومون بدور اعلامي مهم لأن الإعلام الوحيد الذي كان يسمح له بمساحة قليلة خصوصا في الأيام الأولى للغزو، ثم كان التضييق في آخر الأمر، حيث منع القنوت وأصبحت الخطب والخطباء تحت نظر الاستخبارات التي كانت في المساجد واتخذت منها مجالا لتصيد الشباب.
الأطباء
وبــين د.النشــمي دور الأطباء وما قاموا به، فقال: دور الأطباء ينبغي أن يذكره التاريخ ويسجله لهم، ولقد تجلت تضحية الاطباء في أنهم لم ينقطعوا عن اعمالهم خصوصا مديري المستشفيات الكبيرة الرئيسية، إذ داوموا في أماكنهم دواما عاديا ومع نقص الكوادر اضطروا الى ان يستبدلوا المستشفيات ببيوتهم فكان بعضهم يبيتون في المستشفى لأيام متصلة وكانوا يتعرضون في كل لحظة للمخاطر بأي تساهل أو خطأ يفسر على أنه (عمد) ويكون نتيجته الإعدام طبعا، وكانت لجان التكافل ترعى أسرهم واحتياجاتهم ولا يمكن ان ننسى دور الاطباء في نقل المعدات واخفاء الكثير من الاجهزة في السراديب منذ بداية الغزو، كما نقلوا الصيدليات الموجودة في المستشفيات الى المناطق السكنية والى البيوت وذلك بالتنسيق مع اللجان في المناطق.
وأكد أن المحنة والابتلاء الذي نزل بدولة الكويت وأهلها هي محنة المسلمين بالدرجة الأولى.