كثيرة هي ومؤرقة قضايا مجلس الأمة مع الحكومة، فهي بحاجة حقيقة لمتخصصين يفندون كافة الأسئلة البرلمانية ومدى دستورية الاستجوابات المقدمة، وعليه فإن في الكثير من القضايا التي يثيرها بعض أعضاء مجلس الأمة تعديا على اختصاصات الحكومة من جانب، واختصاص القضاء من جانب آخر.
فالكويت منذ عهد المغفور له الشيخ عبدالله السالم حين صادق مع أعضاء المجلس التأسيسي على دستور الكويت كان أول مبدأ تم إرساؤه هو الفصل بين السلطات، وعليه فإن مبدأ الدولة المدنية الذي أرساه مؤسسو الدولة المدنية الحديثة بُني على قواعد ثابتة وراسخة حتى يتم تلافي الصراعات التي قد تنتج، وحتى تتمكن الكويت من مواكبة التطور الذي شهدته الدول المتقدمة.
فقد يعتقد البعض مخطئا أن النظام السياسي المعمول به في الكويت تسبب في تأخرها، لكن حقيقة ليس النظام المنتهج في الدولة بل بعض الممارسات التي ينتهجها بعض السياسيين بدعم من شريحة كبيرة من أبناء المجتمع الذين لم يتمكنوا من مواكبة التطور الذي ترجوه الدولة من مبدأ فصل السلطات واعتماد الدولة المدنية والدستور.
فنجد أن بعض المواطنين يزجون بإرادة منفردة بأعضاء مجلس الأمة، إما لتسيير مصالحهم أو التمكن من الحصول على بعض حقوقهم المسلوبة في العمل في الدوائر الحكومية، وللأسف نجد أن أغلب أعضاء مجلس الأمة اليوم تحولوا من أعضاء إلى قضاة يصدرون الأحكام على أقاويل وشكاوى المواطنين، أو منصة للحصول على حقوق مزعومة ومناصب حرمت منها العديد من الكفاءات التي كان من الممكن أن تتم خدمة الدولة من خلالهم بصورة أكبر، وذلك لأجل ترضية بعض النواب، وتحقيق الصفقات السياسية مع الحكومة لترضية النائب الفلاني.
فنجد على سبيل المثال أن بعض القضايا والتصريحات التي يدلي بها بعض النواب تكون مناقشة لقضايا بعض المواطنين أصحاب الحقوق المهضومة في دوائر حكومية، ويحاول أن ينتصر لهؤلاء المواطنين، وهنا يكمن الخلل والعودة إلى دولة المشيخة وليس الدولة المتقدمة التي لها سلطات ثلاث.
فأي مواطن أو وافد يعمل في الدوائر الحكومية متى ما كانت لديه مظلمة ليس الطريق القانوني باللجوء إلى أعضاء مجلس الأمة بل هناك دائرة إدارية بصدد أن يتم توسعتها وتصبح محكمة إدارية هي المعنية بالفصل في مظالم الموظفين، وعليه فإن ما يمارسه اليوم بعض أعضاء مجلس الأمة فيه تغول على اختصاصات القضاء، وما لا يعرفه النائب أن دوره ليس في نصرة المظاليم، بل دوره رقابي وتشريعي، ودوره الرقابي يبدأ متى ما نمى إلى علمه عدم امتثال هذا الوزير لأحكام القضاء وعدم تنفيذه للأحكام النهائية الصادرة وفي حال تواطئه لعدم تنفيذ الأحكام، هنا في هذه الحالة يتدخل النائب ويوجه سؤالا برلمانيا، يليه استجواب وقد يصل الأمر إلى طرح الثقة، لأن عدم تنفيذ الوزراء لأحكام القضاء فيه تغول على السلطة القضائية وشبهة فساد وهنا يتدخل النائب.
أما ما يفعله بعض النواب اليوم من فتح قنوات اتصال مع موظفي الدولة لتلقي أسرار الوزارات وشكاواهم، فهذه كلها أمور غير قانونية، وهم يعرضون هؤلاء الموظفين لقضايا جزائية تصل للسجن، لأن أسرار الدولة ومستنداتها لابد أن تبقى سرية وعدم كشفها إلا في حالة شبهة فساد كبيرة، والاتجاه الصحيح أن يذهب بها بسرية تامة إلى (نزاهة) ويتم التعامل معها وفق الأطر القانونية.
لذا، كل ما نتمناه في المرحلة البرلمانية المقبلة ألا يقوم الأعضاء المقبلون بممارسة السلوكيات غير القانونية، وأن يلتزم النائب بدوره الذي كفله له الدستور والقانون فقط.