أيام زمان كنا نسعد كثيراً بفصل الصيف لنمارس أهم هواياتنا وألعابنا البحرية، كنا نعشق السباحة لدرجة أننا كنا نمضي وقتاً طويلاً في البحر وكانت السباحة في أيام زمان من أحسن الهوايات التي نمارسها، وكانت لنا عدة سواحل أو «نقع» كما نسميها سابقا.
ولما كان موقع منزلنا في منطقة الوسط مقابل قصر السيف والميناء القديم وبركة الماء الغنيم وبجوارها فُرضة الخضار والعلف الجت والجولان والتمر ومعظمها نجلبها من البصرة بواسطة أبوام وأبلام العراقيين، وفي الحقيقة كانت البصرة في السابق هي التي نعتمد عليها بجلب كل ما نحتاج اليه من الخلال (البلح) والرطب والتمر، وكذلك نجلب من البصرة الجت والجولان للبقر والغنم وكنا نعتمد كثيراً على حليب البقر والماعز.
أما بالنسبة لمزاولة هوايتنا المفضلة السباحة فكنا ننتقل بين النقع القريبة من منطقتنا فريج الغنيم وفريج سعود، فكنا أيام نسبح في نقعة العبدالجليل والمرزوق ومحمد ثنيان الغانم هذه من نقع منطقة الجبلة وكذلك كنا نسبح في بعض نقع منطقة شرق ومنها نقعة معرفي ونقعة الشملان ونقعة جاسم العماني ونقعة العسعوسي، وهناك أيضا عدة نقع في شرق وجبلة، ونترقب تحركات البحر في المد والجزر، ومتى أصبحت المياه طفوح (مد) لبسنا المايوه الأسود عبارة عن سروال قصير لونه أسود ونسرع في الجري إلى البحر لنسبح، وكذلك كنا نمارس صيد السمك بواسطة مشخال ويغطى بقماش أو كركور صغير عبارة عن قفص حديدي، وكنا أيضا نصنع التناك عبارة عن قارب صغير تصنع من تنك صفيحة تنكت الكاز القديمة، وكنا سعداء جدا ونحاول أن نستغل معظم أيام الصيف في البحر ولا نمل، وأذكر إذا جعنا نتوجه إلى فرضة الخضار لنحصل على البلح والتمر من الركوك المصفوف على رصيف الفرضة، ونحصل أيضا على تفاح «بوفسيوه» وهو تفاح أخضر صغير يجلب من البصرة وأحيانا أيضا المشمش، وفي الحقيقة كانت مدينة البصرة العراقية في أيام زمان ديرة خير نعتمد عليها كثيرا في ما نحتاج اليه من مواد غذائية.
اليوم الواحد منا عنده شاليه على البحر وعنده طراد ورغم هذا ترى البعض غير راض ويقرر السفر إلى الخارج، يعني أيام زمان كان الناس قنوعين وراضين بالعيشة.. يا حلاة ذاك الزمان ويا حلاة بحورها ونقعها، لقد غير النفط معيشتنا وأطباعنا بعد أن كنا قانعين بما نحن فيه.. ما نقول إلا الله يرحم ذاك الزمان.
آية كريمة: (.. نسوا الله فأنساهم أنفسهم).
اللهم احفظنا من غفلة تبعدنا عنك يا الله..
والله الموفق.